وبربك القيوم، ما الذي تظنه يدوم، صوت سمعته في الكروم، وقد مرت عليها ريح سموم، فجفت الأرض وعادت جزرة كثيرة الكلوم، وسقطت الجفان عن فسائلها، وفزعت أوراقها إلى الغيوم، صوت صاروخ من وراء النجوم، ما الذي تظنه يدوم؟
من صروح زاهية فخيمة، من رياض زاهرة كريمة، من بروج شاهقة عظيمة، من معامل حديثة أو قديمة، ما الذي تظنه يدوم.
من أسراب منورة تحت الأنهار، من أرتال فيها تدفعها الكهربائية أو يجرها البخار، من بوارج ماخرات في البحار، من أساطيل تنذر بالدمار، من معالم في الأمصار والأقطار، ما الذي تظنه يدوم.
من أنفاق تحت الأديم ملؤها عجاجة، تنفثها وتثيرها القطر الولاجة، من قباب بين السحاب وهاجة، من جسور فوق المياه جسيمة، من متاحف في عواصم العالم فخيمة، ما الذي تظنه يدوم.
من سدود محكمة منيعة، من خلج كونتها الطبيعة، من ترع تؤلف بين البحار، وتجمع بين بعيد المطارح وشاسع الديار، من خطوط حديدية تطوق الأرض، من أسلاك برقية تطوي المسافة في الطول والعرض، ما الذي تظنه يدوم.
من أبنية ذات الطبقات العشرين، من أحياء في المدن الكبرى يأوي إليها المساكين، من معابد وبيع لا أثر فيها للدين، من أصقاع لا صوت فيها للصالحين، ما الذي تظنه يدوم.
من قصور مكتنفة برياض خضراء، من صروح الكبراء والأمراء، من بيوت الرؤساء والأغنياء، من أكواخ البؤساء والفقراء، ما الذي تظنه يدوم.
من شرائع ودساتير ونظامات، من تقاليد وعوائد وخرافات، من أديان وعقائد وخزعبلات، من دول وممالك وحكومات، من أحزاب وطوائف وجماعات، ما الذي تظنه يدوم.
صوت صارخ من وراء الغيوم، صوت ريح سموم، أي شيء يدوم.
مهلاً مهلاً أن هذه كلها لصالحة في ذاتها، إن هذه كلها لحسنة في وقتها، لكل شيء من العز والمجد أركان، لكل شيء من أبناء البطر والأشر أعوان، لكل برهة من دهره الوسنان، ساعة أو عام أو حين من الزمان، الطويل من الدهر والقصير سيان، ولكن قل لي بربك القيوم مبدع الشمس والنجوم، أتظنها إلى الأبد تدوم.