إلى حين يا أخي إلى حين، إي ورب العالمين إلى حين، وبعد فقل لي هل أنت من الممترين، أم أنت من المفندين السائلين.
أما في زمانك تأملت المغاور في الصخور، فاذكر أن الأمطار والرياح تكونها، والأمطار والرياح تهدمها، إن كل صالح مقبول حتى يظهر على ميدان العالم قائم على المظالم البشرية، أو مناضل عن الحقيقة الأخوية، أو باذل مهجته في سبيل الإنسانية، إن كل شيء في مركزه حريز حصين، إلى أن يزلزله رجل حصيف رشيد، أو امرأة صالحة ذات رأي سديد، فيعلو إذ ذاك صوت المطالب بحقوق المستضعفين المستذلين، ويلحق الجبارون بالأخسرين، أبد الآبدين ودهر الداهرين.
وبعد أن تلاشت ريح السموم فوق الجبال، تلاها نسيم لطيف الاعتلال، فدخلت معه غابة من الصنوبر كثيفة الظلال وسمعت من خلال الأغصان، صوت المحبة والمعروف والحنان، سمعت صوتاً يقول ورب الأكوان، لا يدوم إلا بالإحسان والعرفان، لا يدوم إلا السجايا الروحية الفريدة، سجايا النفس البشرية الخالدة، لا تدوم إلا آثار النهضات الجليلة، ومآثر الأنفس السامية النبيلة، وما أسخف الجدل الوهمي أمام مشروع جليل، وما أوهن التعاليم الوضعية في وجه خطب جسيم، وما أوهى الأقوال والآراء إذا قوبلت بنظرة من رجل عظيم، أو صادفت نفحة من نفحات حكيم، وعندما يرفع مثل هذا رأسه وصوته ولا فرق عندي رجلاً كان أو امرأة يقف دولاب الأعمال، ولا يبقى شيء على حال، عندئذ يبطل الجدال، وتنكسر شوكة المال، وتحشر الرجال، وتكبر الآمال، يومئذ تنقلب المجتمعات، وترتعد فرائص الطغاة الجفاة، عندئذ تتغير العادات وتهب على الأرض الذاريات السافيات، فيسأل السائل من وراء النجوم أين مالكم ونفوذكم، أين تقاليدكم وعقائدكم، أين شرائعكم ودساتيركم، أين حصونكم وصروحكم، أين مصانعكم ومعاهدكم، أين زخرفكم وسفاسفكم. فقل أن هي الأبرهة من الدهر الوسنان، ساعة أو عام أو قرن من الزمان، قل وبرب الأكوان، لا بقاء لما سوى آثار الجد والعرفان، والمعروف والحب والإحسان، فهي هي الجبال الراسيات، وهي هي الحصون الواقيات، وهي هي الباقيات الصالحات، بلى ورب السماء والنجوم، لن تدوم إلا آثار النفوس الطاهرة ووجه ربك الحي القيوم.