للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخطابة عند العرب]

توطئة

دلتنا الحرب الحاضرة على كثير مما ينقصنا من العلوم والصناعات الشائعة عند الأمم الغربية وكانت فاشية في القديم عند أجدادنا. ومن ذلك صناعة الخطابة وهي من أجل العوامل في تربية النفوس أيام الحرب والسلم وفي بث دعوة أو سفارة بين متخاصمين أو متحابين إقناع يوم الحفل واستمالة الأفكار إلى رأي أو حزب في المجالس والمؤتمرات والمجامع والجوامع لا تستغني عنها أمة دستورية بحكمها مجلس نوابها إذ أن التنفير من مسألة والتذكير بأخرى لا يتم إلا بقوة البيان وسلاطة اللسان وفصاحة الحجة وظهور المحجة والسبب في قصورنا عن هذه الغاية طول عهدنا بالحكومة الاستبدادية المطلقة حتى إذا انقلبت إلى حكومة شورية أحسسنا بنقص في عامة مكونات الأمم وكان خطباؤنا المصاقع يعدون على الأصابع في جميع أدوار مجلسنا النيابي والمبرز منهم من كتب له أن كان أستاذا في مدرسة أو مدرساً في جامع ففتقت السن أهل هذه الطبقة وقليل ما هي على أيسر وجه لأنها كانت على جانب من ألفضل ومعرفة بأصول المجالس أما أكثر النواب فكانوا بمعزل عما ينبغي لهم من أدوات ألفهم والكلام والحرية فضاحة فضحتنا بقلة المتكلمين والمفكرين منا مع أن الخطابة مما أوجبته علينا الشريعة الإسلامية كما ظهر أمرنا وتبين عجزتا واستبان إفلاسنا في مسائل العلم والتأليف فقد كان بعضهم يوهمون أن طبائع الحكومة المطلقة وهي قائمة بكم الألسن وحجز الأقلام هي التي تحول دونهم وما يشتمون من انبعاث عملهم ونشر أبحاثهم ودروسهم وظهور أثر فضلهم وأدبهم وتحقيقهم وربما غالى بعضهم فقال اختراعهم واكتشافهم وأنهم لا يتوقعون إلا دور انطلاق حتى يظهروا ما كنته صدورهم من العلو والفنون وها نحن نعيش في ظل الحكومة الدستورية منذ ثماني سنين ولم نشهد أثراً لغير من عرفوا من قبل بألفهم والعلم وجل ما اتصل بنا أنه نشرت مباحثات ومناقشات قلما تفيد أمة تريد النهوض من طريق العلم والعمل نحن موقنون أن التبريز في الخطابة صعب ولكن بالتعلم والمعاناة يصل المرء إلى درجة حسنة في الجملة وفي العادة أن يكون النوابغ قلائل في كل فن فإذا عد في الأمة عشرة منهم في كل شأن ومطلب تعد غنية بعلمها وعقلها ولانحطاط الخطابة الدينية في هذا العهد تأفف كثبر من حضور الجمع