[على رمل الاسكندرية]
إيه أيتها الأمواج الخالدة كم شاهدنا من أمواج الإنسانية ومن بحورها الفانية.
أمام عيونك الزرقاء وفي ظل ابتسامتك الفضية كم تبخر بحر ونضب وكم تبددت تحت أقدامك موجة هادرة شامخة من أمواج البشرية.
على هذا الساحل الذهبي الجميل قاتلت الملوك قديماً فتغنت بأخبار مواقعها أرباب الفنون ورددت صدى غزاتها ألسن الشعراء.
بالقرب من صدى هديرك الهائل هاجت أمواجهم وماجت فعادت إلى حيث لا تبلغ مدك ولا تبصر عيونك الرمل والصخور.
عادت أمواج أنفسهم المضطربة إلى حيث لا نبع إلا نبعك الدافق من ميازيب ذهبية في بساتين من النور الأزلي الروحاني
هناك نبعك أيتها الأمواج وهناك أيضاً نبع الإنسانية.
أنت هجت قديماً في صدر الإسكندر فجئت به إلى هنا ليبنى لك هذه المدينة الزاهرة.
أنت حملت أنطونيوس إليها ليطفئ لوعة غرامه.
أنت منحت القيصر قسطاً من عظمتك فخاض عبابك طمعاً بملك عظيم بل شغفاً بوجه وسيم.
وأراك الآن هائجة في قلوب الصغار والأذلاء كما هجت قديماً في قلوب الملوك والأمراء.
أراك مضطربة مبتسمة معاً إذ تشاهدين على ساحلك هذه الأمواج المزدوجة من بحر الإنسانية.
هي تتمازج على الرمل في كنف الصخور تمازجك في بطن أمك.
هي أمواج من النفس يحن بعضها إلى بعض ويهيج بعضها على بعض ويختفي زبد الواحدة تحت زبد الأخرى ويذوب زجر الهائجة تحت مدّ المدبرة.
الحب أيتها الأمواج يؤيدك.
والحب يحمل إليك هذه الأمواج القلقة الفانية.
ومهما عظم اضطرابها على سواحلك الذهبية فراحتها أخيراً تحت ابتسامتك الفضية الأزلية.
لا تعجبني من هياج هذا الإنسان واضطرابه فما هو سوى طوائف من الأسماك والحيوانات البحرية تختبط في بحر النفس لا يرى مدينتنا من المدن الكائنة تحت أمواجك.