للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيها البحر العائل أيها الرقيب الأزلي وفيها من الحيتان والدلافين ما يزري بحيتانك ودلافينك.

فيها يهدر بحر من هذه الإنسانية المتكالبة. .

لكل موجة صوت لا يشبه أخاه.

لكل موجة شكل ومنهج وعبوسة وابتسامة.

هذه الاسكندرية وفي بحرها تشاهدين الآن ما لم تشاهديه فيما مضى من الزمان.

أمامك الآن أمواج مزبدة من نهر التايمس الهادئ. . وأمواج هادئة من نهر المسيسبي المتدفق وأمواج كرواسي الحبال من نهر الرون والرين والدانوب والسين. . وأمواج عليلة لطيفة من بحر الأحمر وبحر الهند وبحر فارس.

هي الأمواج يتلاطم بعضها ببعض ويمتزج بعضها ببعض ويبتلع بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً أو يعطف بعضها على بعض والكل يهلك نفسه في هذه الحركة الدائمة. في هذا العراك الشديد والضجيج المديد.

يشيدون الصروح ويهدمونها. ويؤسسون الممالك ويبيدونها. فيتلاشون أخيراً تحت أقدامك. وأنت باسمة ضاحكة تسخرين منهم وأمواج منك كالظلل تحمل إليهم نبأ الأبدية.

بحر الإنسانية يفيض ويزبد ويهيج ويهدأ ويتبخر ويتصبب ويعكر ويرسب ويتلاشى وأنت باقية إلى الأبد.

تشاهدين هذا الزمان كما شاهدت أباطيل الأزمنة الغابرة.

تسمعين ضجيج أبطال هذا الجيل في البورص كما سمعت صليل رماح أبطال الأجيال الماضية في ساحات القتال.

وتستقبلين الشمس كل مساء كما تستقبلينها يوم لم يكن على سواحلك مدن ولا عمران ولا نبت ولا حيوان.

لبنان

أمين الريحاني