ندر جداً بين غلاة الكتب العارفين في البلاد العربية مثل الشيخ طاهر الجزائري في دمشق ومحمود شكري أفندي الآلوسي في بغداد وأحمد بك زكي في القاهرة فهم يتوسلون إلى نشر كتب السلف بكل ما لديهم من ذرائع لينيروا بها آفاق البلاد ويحيوا موات المجموع والأفراد. وطريقة العالم المصري في الدعوة غريبة لأنه متشبع باللغة أو باللغات الإفرنجية فقد نشر أمس تقريراً طبعه باللغة العربية والتركية لتنظيم خزائن الكتب العامة في الآستانة وأقرب الطرق إلى الانتفاع بها واليوم نشر كراسة بالإفرنسية فقط ذكر فيها الأسباب التي يجب الاعتماد عليها في مصر لإحياء الآداب العربية فيها فقال أن القاهرة منذ أسسها الفاطميون استأثرت بالإرث العلمي الذي كان لبغداد وقرطبة فازدهرت فيها الحضارة الإسلامية وأنارت الأفق آثارها فنجحت مساعي العلماء المصريين إلى آخر عهد سلاطين المماليك وأثمرت أعمالهم ثمرات جنية كان لهم من تنشيط الملوك والأفراد الذين شغلوا بالآداب والعلوم ما دعاهم إلى تأليف مجاميع من المخطوطات النادرة والآثار الثمينة وكان للجوامع إلا قليلاً من مدارس وخزائن كتب دع عنك المكاتب التي جعلت خاصة لحفظ المخطوطات.
وإن العمال الباهرة التي قامت على ذاك العهد لتدل عليها كتب النويري وابن فضل الله العمري وابن شامة والمقريزي والقلقشندي والسيوطي ثم ابن إياس والجبرتي من المتأخرين وإن المناصب السياسية التي تولى معظم هؤلاء أمرها قد كان لهم أعظم الخطط الجديدة التوفيقية ولكن ما جمع في مصر من مصنفات السلف في خمسة أو ستة قرون قد تمزق شذر مذر وانتقل إلى مكاتب مختلفة ولاسيما إلى الآستانة عقيب أن فتح السلطان سليم العثماني مصر وحمل القسم الآخر إلى مكتبة باريز ولاسيما منذ عهد حملة بونابرت على مصر ومكاتب برلين وليدن ولندن وأكسفورد ورومية وفينا وغيرها فجمعتها تلك الحكومات المنتبهة الغيورة على الآداب وأخذ علماؤها يبعثون إلينا منها الحين بعد الآخر ما يطبعونه أجود طبع ويعيون إلينا منا بالانقلابات السياسية وبجهل بعض الأجيال الماضية ولقد جمعت بفضل الخديوي وإسماعيل وإشارة علي مبارك باشا بقايا تلك الكنوز وأسست