ينقضي الشهر والشهران بل السنة والسنتان ومصر لا يكاد يصدر فيها كتاب ترجح حسناته على سيئاته ونفعه على ضره ولذلك ترانا عند نشر كتاب نافع في موضوع جدي نهلل له كثيراً ونبتهج به أيما ابتهاج. والكتاب الذي أمامنا لمؤلفه الكاتب الفاضل السيد محمد بدر الدين الحلبي هو من الكتب النافعة في الإصلاح الإسلامي. وأي إصلاح أجدى على مجتمعنا من إصلاح طرق التعليم بعد أن أجمع عقلاؤنا منذ قرون أنه مختل معتل ولا نهوض للأمة إلا برده إلى أصوله والسلوك به في مبيع السداد.
تصفحنا الكتاب برمته فرأيناه يدور على ثلاثة أقطاب الأول في العلوم التي يشتغل طلاب العلوم الشرعية اليوم بها وبيان ما تمس حاجة المسلمين إلى الاشتغال به وما لا تمس وفي الإسلام غنية عنه لأنه دون لا لخدمة الدين بل لمصلحة دينية وقد مضى زمن تلك المصلحة ولم يبق من حاجة إلى النظر فيه. الثاني بيان حقيقة المؤلفات التي يشتغل بها طلاب العلوم الشرعية وذكر النافع منها من غيره والإشارة إلى ما يجب الاشتغال به من الكتب الجيدة النافعة والكتاب أحد الأستاذين. الثالث النظر في طرق التعليم وكيفيته في المدارس الإسلامية عامة في مصر والغرب والشام والهند وغيرها وبيان جيدها من رديئها وذكر طرق التعليم النافعة التي كان يجري عليها التعليم في القرون الأولى ليعمل به في أيامنا هذه.
ولقد رأينا المؤلف تلطف في ما كتبه وغلب على ذهنه صحته فوصف عقم طريقة التعليم التي هي أحرى أن تسمى أزهرية لأنها منه نشأت وصف من ذاق فعرف ومما قاله في قلة الناجحين فيها: ولو أردنا أن نحصي عدد الناجحين من أولئك المستعدين لتعلم العلوم الدينية نجاحاً نسبياً لم يكونوا أكثر من واحد في كل مائة ولو طلبنا الناجحين حقيقة الذين يمكنهم القيام بوظيفة التعليم لم يكونوا أكثر من واحد في الألف إن كثر عددهم. وجاء في مكان آخر وأثبت بالإحصاء أنه لم ينجح في امتحان الفقه الحنفي سوى اثنين في المائة أو في المائتين.
تكلم المصنف بدون مصانعة على فساد الكتب التي تدرس والطريقة المتبعة في التدريس