وهنا أورد صاحب المقالة حوادث من التاريخ في أوربا ولاسيما في فرنسا تدل على ما نفع من الأنغام في مداواة بعض الأسقام ولاسيما الجنون والاختلال وداء النقطة مما دل على أنه أحاط بالموضوع من جميع أطرافه وقتله درساً واطلاعاً. ثم قال أن الإسلام انتفع من تأثير الموسيقى لتحريض أشياع الحسين الشهيد على الجذب والتهيج وذلك بقرع الطبول المتواتر على إيقاع متساوق سريع فيردد الشيعة على نغم الطنبور ألحاناً مقفاة حتى ينتهي الحضور بأن لا يعودوا يتأثرون للضرب ولا للجرح. وكذلك الحال في دراويش الهند فإنهم يستعملون كلمة واحدة ويكثرون من ترديدها فتؤدي بهم إلى الجذب مصحوباً بقلة التأثر.
وبعد أن أفاض في إيراد حوادث القدماء وأخبار عنايتهم بالموسيقى في شفاء بعض الأمراض قال أن مراد الرابع (١٦٢٣) أثرت فيه الموسيقى فعقد النية على أن يبقي على أخوته الذين كان ينوي اهراق دمهم وأن فرنسيس الأول بعث إلى سليمان الثاني بجوق من الموسيقى فلاحظ هذا أن شراسة خلقه لطفت بسماع ألحانهم فأسف من جراء ذلك كثيراً ولم يلبث أن طرد للحال جميع الموسيقيين من حضرته.
وجملة القول أن الموسيقى تؤثر في الدورة الدموية في الإنسان والحيوان ويزيد بها ضغط الدم وينقص وتتبع هذه التقلبات تأثير تهييج الأعصاب السمعية. وأن آلات الطرب والصفير ليظهر فعلها بتحسن في تشنج القلب خاصة. وتغيير الدم الناتج من تأثير الموسيقى يناسب تحول التنفس وإن كان يتجلى ذلك مستقلاً عن تحول التنفس. يزيد الستركنين في تأثير التهييج السمعي في الدورة الدموية والكورار على العكس يضعفه.
والكلورال (نوع من المخدرات) والكحول والأفيون تضعف أيضاً تأثير التهييج السمعي في الدورة الدموية وتغيير الدورة الدموية تابع لارتفاع الصوت وشدته بل لارتفاع الجرس ونزوله. ولتغير الدورة الدموية دخل كبير في ذاتية الحيوان والإنسان ولاسيما في جنسية الإنسان وتابعيته.
وعلى من أراد الوقوف على تأثير الموسيقى في أحد أعضاء الجسم سليماً كان أو سقيماً أن يفرق بين العناصر التي ينبعث منها ذاك التأثير. فالهزج واللحن والإيقاع تؤثر تأثيرات مختلفة بحسب تركيبها وتلحينها. وفي الختام نقول أن الاستشفاء بالموسيقى قديم العهد وقد ظل محتفظاً بأهميته العلمية والعملية على حالة واحدة رغم اختلاف العصور.