للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوتهم عندما يباشرون القتال وتؤثر أيضاً في التهييج العضلي فإنك ترى أناساً يرقصون من الليل ويطيلون الرقص وما كانوا ليقوموا بهذه الرياضة لولا سماع الأنغام. فالمرأة مهما بلغ من لطف مزاجها وتأثرها من أقل تعب ينالها يهون عليها الرقص ساعات على صوت آلات الطرب. ثم أن الملاح والمعدن والبحري يتغنون عندما يقومون بأعمالهم الصعبة.

يحب صاحب المزاج الدموي من الموسيقى ما أفرح وجاز على السمع وكان طبيعياً في الوضع. ويفضل السوداوي من الموسيقى الشديد القاسي العالي. ولا يحب البلغمي شيئاً من أنواع الموسيقى. أما أهل الدعة والسكون والعلماء فلا يجيدون الشعر ولا يحسنون صنعة الغناء. على أن في هذا القول نظراً لأن القول بأن المزاج الفلاني لا يقبل النغم الفلاني هو ناشئ لا من المزاج فقط بل من الوراثة والمحيط والتربية ولقد عرف علماء لا يرتاحون للموسيقى ورأيت من لا يفضلون شيئاً عليها وشهدت من يتوفرون عليها ويعتدلون في سماعها.

وضع الطبيب المنوه به ست قواعد لاستعمال الموسيقى في شفاء الأمراض أولها أنه كلما كانت الموسيقى طبيعية وأعربت عن اللغة الطبيعية في الفكر تؤثر في النفوس كثيراً ولاسيما في نفوس من لم يتعلموا التعليم الكافي. ثانيها لما كان لكل بلاد أنغامها الخاصة بها فإن الموسيقى تؤثر في الروح كلما قربت من هذه الأنغام. ثالثها ينبغي أن تكون الموسيقى متناسبة مع درجة تأثير الموضوع. رابعها ينبغي أن يحدث تأثير الموسيقى ببطءٍ فيبدأ مع السوداويين باستعمال ألحان يتدرج فيها من الخفيف إلى القوي ويستعمل من الألحان الشديد أمام أصحاب النفوس الغضبية. خامسها اختيار الآلات المستعلمة للغاية التي تطلب فصاحب المزاج السوداوي يرتاح لسماع الطبل والبوق ذي الأنبوبتين وكذلك المزمار والعود يناسبان مزاجه. سادسها تطرب الموسيقى الطبقات العالية أكثر مما تؤثر في الطبقات النازلة.

ومن رأي هذا الطبيب أن الموسيقى تشفي صاحب السويداء كما تزول بها الكآبة والحزن وتبعد الخوف. ولقد أجمع الفلاسفة على أن شيئين إذا عادلا ثالثاً يكونان هما متعادلين فإذا كانت الموسيقى نافعة في إزالة الكدر والسويداء هما في الحقيقة شيءٌ واحد. فإن أبقراط حدد السويداء بأنها الكدر والخوف.