إذا تجرد الإنسان هنيهة من جلباب التقاليد. وترك التصديق والإذعان جانباً ونظر إلى القرآن ككتاب غامض خبره. مجهول مصدره. وأراد أن يقرأ فيه. ثم يحكم عليه. ويأخذ عبرة منه. فماذا يرى؟ وبماذا يحكم؟
أخذ ذلك الإنسان القرآن وما هو إلا أن وقع نظره على أوائل سورة الإسراء فرأى عجباً: رأى من ضروب الوعظ والتذكير. وأفانين التربية والتعليم. وأصول الآداب وقواعد الاجتماع. مفرغاً ذلك كله في أساليب عالية. وحلل بالفصاحة والبلاغة زاهية - ما جعله يكبر الأمر. ويتساءل ماذا عساه يكون السر.
كتاب وجد منذ أربعة عشر قرناً في بلد منقطع عن العمران. محجوب عن أشعة العلم والعرفان. بين قوم أميين. قساة جاهلين. ثم هو يتضمن ما أشرنا إليه لجدير بالتعجب منه. حقيق بالتفكير فيه.
تضمنت أوائل سورة الإسراء ما تضمنت وهي ست صفحات فقط. فماذا تتضمن إذا بقية صفحات ذلك الكتاب وهي زهاء (٨٧.) صفحة.
نحن لا نحيل القارئ الكريم إلى أمر بعيد عن القياس ولا إلى غيب لا يدخل تحت متناول الحواس. وإنما نحيله إلى عيان ومشاهدة واختبار.
الإسراء والمعراج
(من مزايا صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم)
يصح نعت القرآن بأنه أقدس رسالة أتت من أقدس مقام بواسطة أقدس إنسان. وهو محمد بن عبد الله الرسول في تبليغ تلك الرسالة إلى الخلق.
وقد افتتح مرسل تلك الرسالة إحدى سورها أعني سورة الإسراء - ببيان منزلة ذلك الرسول. ليزداد الناس ثقة به. وحباً له. وحرصاً على تلقي الرسالة عنه. فقال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا
اطلاع الله لذلك الرسول على آيات الكون وأسرار الخليقة هي المنزلة الرفيعة التي امتاز