بها عن سائر بني البشر. فالمقصد من الآية إثبات تلك المنزلة له.
أما أن رحلة الرسول في الاطلاع على تلك الآيات كان بروحه الشريفة أو جسده المبارك فهذا لا نكلف الإيمان القطعي به ما دامت الآية ليست دلالتها على معناها بقطعيته. ولذلك اختلف العلماء بل الصحابة في الإسراء والمعراج:
أسري بروحه أو بجسده وكيف كانت كيفيته. وعلى أية حالة وقعت غدوته وروحته هذا من عالم الغيب لا نكلف به تفصيلاً ما دمنا مؤمنين بالغرض منه إجمالاً. ألا وهو الإيمان بأن الله اطلع على نبيه على عالم الملكوت. ولنضرب لذلك مثلاً:
نسمع أن أهل طرابلس الغرب قاموا اليوم لمناجزة إيطاليا. ونعلم أن حكومتنا العثمانية ذات الدهاء والقوة هي التي أمدتهم بالضباط والسلاح والذخائر فتمكنوا بذلك من القيام ضدها.
فيقول قوم: وكيف أوصلت حكومتنا تلك الإمدادات إليهم بالبر عن طريق مصر؟ أو بالبحر على ظهر السفن. أو بالهواء على متون الطيارات؟
ولكن هل من المعقول أن توسع مسافة الخلاف بيننا في هذه المسألة ونكثر من اللغط فيها. وليس في ذلك من فائدة لنا. وإنما ألفائدة هي في أن نثق بالحكومة وفي أن لديها من الوسائط ما يكفل إيصال القوات إلى إخواننا السنوسيين بطريقة حكيمة مأمونة.
يستبعد قوم أن يكون الإسراء قد حصل بجسده الشريف ولكن أقول أنه ربما كان هو الواقع كما يستبعد قوم أن يكون إمداد السنوسيين بطريق البحر مع أنه ربما كان هو الواقع أيضاً بل ربما كلن بواسطة الغواصات التي تنساب تحت مياه البحر.
كيف أسري بجسده صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس؟ وكيف يتصور هذا؟ ولكن قل لي - ولنفرض أنفسنا عائشين منذ مئات السنين - كيف يمكن أن يطير الإنسان مسافة أيام بساعة من الزمن؟ لو قلنا ذلك لأهل القرون الأولى أما كانوا يستبعدونه ويعدونه من المحالات العقلية؟
وكذلك إسراء النبي إذا استبعده العقل وعجز عن تصوره ينبغي له أن لا ينكره ولا يحيل وقوعه.
الاعتبار بالأمم الغابرة
عرفنا منزلة الرسول حامل الرسالة. ولنقرأ الآن الرسالة نفسها أو بعض آيات منها أعني