أول ما فعلته هذه الآيات أنها حولت نظرنا إلى أمة تقدمتنا كان لها في الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية شأن عظيم وقد ذاقت حلو الزمان ومره بحيث أصبحت أجدر الأمم القديمة بأن يتعظ بها. ويعتبر بأحوالها. ألا وهي الأمة اليهودية:
وآتينا موسى الكتاب. وجعلناه هدى لبني إسرائيل. ألا تتخذوا من دوني وكيلاً. ذرية من حملنا مع نوح. إنه كان عبداً شكورا. وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين. ولتعلن علواً كبيراً. فإذا جاء وعد أوليهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا. ثم رددنا لكم الكرة عليهم. وأمددناكم بأموال وبنين وجعلنكم أكثر نفيراً. إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم. وإن أسأتم فلها. فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيراً. عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا
قصت علينا هذه الآيات من خبر اليهود ما فيه مزدجر وتحذير لنا أن يصيبنا مثلما أصابهم: فقالت أن الله أعطاهم التوراة فيها هدى وحذرهم مخالفة أوامره واستدبار سننه وأكد لهم أن هذه المخالفة تؤدي إلى غلبة عدوهم عليهم. واكتساحه بلادهم. فاليهود غفلوا عن سنن الكون. وتناسوا أمر الله. فسلط عليهم بختنصر نبوخذ نصر ملك الآشوريين. فأنزل بهم البلاء. ثم كشف ذلك عنهم على أمل أن يكونوا تابوا وأنابوا، فيعودوا للعمل بالتوراة. ومراعاة سنن الوجود والاتعاظ بما كان من إذلال عدوهم في المرة الأولى لهم - فلم يفعلوا شيئاً من ذلك وعادوا لما نهوا عنه. فجاءهم الرومانيون. وأوقعوا بهم واضطهدوهم وأذلوهم. كما قال لهم ربهم وإن عدتم عدنا أي وإن عدتم للمخالفة عدنا لتسليط عدوكم عليكم.
هذا ما كان من أمر اليهود في سابق عهدهم. فوعظنا الله نحن المسلمين بهم. وحذرنا أن نخالف أوامره الإلهية وندابر سننه الكونية. فيصيبنا مثلما أصابهم.
ولا ريب أن القدوة عامل من أقوى عوامل التربية. وهي في تربية الأمم مثلها في تربية الأفراد. فإن أحسن طريقة يتخذها المربي في تربية الناشئ هي أن يصف له إعمال رجال ألفضيلة فيقتدي بهم. وأعمال رجال الرذيلة فيتجنب عملهم. وهكذا الأمم في طور تكونها