هيئة من يبشر بالارتقاء إليه وأين صورة من يرزأ ظهيره من صورة من يلقى نصيره وهل من فر من بيته وقد تداعت جدرانه كمن دخل صرحه وقد كمل وتزويقه فإذا علمت ذلك تبينت أن الرأي إنما هو رأي القائل بقبول الأخلاق للتغيير وإلا فمن أين تعلم الدب الرقص وأي الرأي أن لم تحدث تغييراً في الطبائع تبدلاً في الغرائز.
فإن كنت تريد أن تتعرف تصاريف الطبائع وأحوالها فلا بد من أمرين الأول أن تراقب ذلك في الناس وفي نفسك. والثاني أن تنظر إلى اختلاف العقائد وتبدل المقاصد في النفس البشرية حتى ينقلب الراغب زاهداً والزاهد راغباً والشجاع جباناً والجبان شجاعاً.
تأثير العقائد
العقائد مبادئ تقرر في ذهن صاحبها أنه يسعد بطاعتها ويشقى بعصيانها وأنه يهلك إذا خالقها وينجو أن أتبعها وترسم على لوح قلبه أن حفظها يكفل له خاتمة سعيدة وآخره حميدة وأن نبذها يدفعه إلى عاقبة شؤم ونهاية عذاب فهذه العقائد باطلها وحقها سواء من حيث التأثير في نفس المعتقد فمن استحكمت العقيدة في روحه هان عليه كل عزيز وغال في سبيلها فتحلو له نفس المرائر وتطيب له المكاره حتى إذا دعته إلى فراق الحياة لبى دعاءها فهذه أقاصيص الشهداء وأحاديث الأولياء تبسط أمامك من أثار العقائد الحية في الصدور ما تريك أفإنينه أن الأهواء البشرية أماء خواضع طوائع لملك الاعتقاد المتسلط على النفس وكم لك في سير الرسل الكرام من خطيب بأن لا سطوة في الكون على النفس إلا دون سطوة العقائد. وإذا ذكرت في النار كراماً لتمثال مولوك الذي أخذوه معبوداً يلجأون إليه. والهنود الأولى يرمون بأولادهم في النهر. أو أخطرت على بالك الشيوخ والعجائز الذين يأتون من أقاصي الأرض إلى أورشليم تبركاً بزيادة قبر المسيح غير مباليين بما يقامون من السفر ومكاره الغربة مع ما يستلزمه بعد الشقة من وفرة النفقة قطعت أن لا سيد للنفس البشرية إلا سيادة دون سيادة الاعتقاد.
تأثير المقاصد
وإذا راقبت الناس وعوامهم وخواصهم رأيتهم إلا قليلاً منهم يجورون على عقولهم ويغالطون حسهم ويكذبون عيونهم في سبيل مقاصد تحيك في نفوسهم فإذا كلفت أنفسهم بشيء أو مقتته يخال من يسمع كلامهم فيه أنهم قد فارقوا ألبابهم أو أن البابهم قد فارقتهم