ملكات العلم بلوازم الحياة. ولابد لتقويم الأخلاق من حسن المعالجة بمزاولة التربية الصحيحة وإحياء موات النفوس بالفضائل التي يرشد إليها العلم. والوصول إلى ذلك إنما يكون بأحد أمرين: إما بالشعوب أو بالحكومات: وفي كلا الحالتين فإن نهوض المشرق وقصد أهله هذا القصد يتوقف على وجود قادة في أممه وشعوبه يحسنون بهم السير ويأخذون بهم إلى سبيل الرشاد. على أنا نرى أن وجود القادة من زعماء الإصلاح الاجتماعي في المشرق لا يوصل إلى منتهى الغرض إلا إذا وجد أولئك القادة عضداً من الحكومات وناصراً من زعماء الرياسة والسياسة الذين أصبح في أيديهم قياد الأمم الشرقية. ذلك لما ثبت لنا من تناهي ضعف النفوس في المشرق وفقدها الشعور بالحاجة إلى الإصلاح النفسي والتربية العقلية.
ولنضرب لك مثلاً على ذلك بمن قاموا من قادة الأفكار في المشرق في عصر واحد وهو عصرنا هذا فقد سعى المركيز ايتو الياباني لإنهاض قومه في أقصى الشرق فأنجح سعيه ونهض باليابانيين إلى أفق السعادة لما أخذ بيده إمبراطور اليابان كما هو معروف. وسعى غيره كثيرون في أدنى الشرق فأخفق سعيهم لما لم يجدوا من زعماء الرياسة على الشعوب من يأخذ بأيديهم ويعضد سعيهم. ذلك لأن شعوب المشرق كما قدمنا قد مرنوا على الخمول لما تأصل فيهم من مرض الضعف وفساد الأخلاق الفاضلة التي تنهض بالنفوس إلى ذرى الاستقلال الذاتي فأصبحوا اتكاليين لا يسعون إلى عمل نافع إلا إذا سيقوا إليه سوقاً. واقتدوا برؤسائهم إذا كانوا لهم عوناً يضاف إلى هذا غرور الشرقيين ببقايا مدنيتهم الدارسة غروراً يقعد بالهمم عن تطلب غايات الكمال على أن إخفاق المخفقين إنما كان في الحصول على الثمرة العاجلة التي جناها ايتو اليابان وأما الآجلة فلم يكونوا يائسين من نيلها إذا ثابر الخلف من محبي خير الشعوب ومصلحي النفوس والمخلصين في النية والعمل لأقوامهم على إرشاد أمم الشرق إلى سبيل النجاة واستنهاض همم ذوي المروآت من زعماء الحكومات الشرقية إلى بسط جناح الرحمة على الرعية ومعونتها في القيام على أصول العلم النافع وتلمس وجوه الخلاص من براثن الفناء الذي يتهدد أمم المشرق في كل آن ولا يعدم المشرق أفذاذاً من المصلحين في كل عصر توافق دعوتهم من بعض الزعماء آذاناً واعية وقلوباً رقيقة ونفوساً سامية نقية من شوائب الفساد تنطبع عليها صورة الخير وتنزع