للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدرسين.

أما الآن فما عذرنا وقد تغيرت الأحوال وتبدلت المدارس بفضل العلم الصحيح المؤيد بالتجربة والبرهان والاستقراء والإحصاء وظهرت لدى الناس أضرار التربية القاسية المذلة الموجعة فعمل الفضلاء على استبدال التربية اللطيفة المعزة المقنعة وبها سعوا جهدهم حتى استتب لهم الأمر في أكثر البلدان. وأول من سعى في ذلك في بلاد المشرق علي باشا مبارك أحد وزراء المعارف في مصر والدكتور دانيال بلس رئيس الكلية السورية السابق في بيروت. جعلا التعليم مقروناً بكرامة النفس وأبطلا الشتم والضرب بتاتاً واكتفيا بالقول والقدوة. ومنذ ثلاث سنين صدر أمر نظارة المعارف العثمانية بمعاقبة المعلم الذي يضرب تلاميذه وبمنعه من التعليم إذا عاد لضربهم مرة أخرى وقد حظرت جمعية فلسطين الروسية على معلمي مدارسها ضرب التلاميذ وجعلت من أهم قوانينها طرد كل معلم يقسو ويتصلف.

إلا وأن صفات الإنسانية ترتقي في الكون العاقل بواسطة التربية الحسنة والتعليم الجيد. وأهم مقتضيات التربية والتعليم الضرورية جداً هي أن يكون المربي والمعلم قادراً على إقناع التلميذ بأن ما ينهاه عنه مضر حقاً وما يدفعه إليه نافع لا محالة وأن ما يلقنه إياه من الآداب والعلوم ليس إلا مصابيح بين طريق حياته وعوامل تقوده في سبيل الكمال الإنساني دون أن يتعدى حد العقل والضمير فيضغط على الأول ويضعف الثاني أو بالحري يميته وكذلك إقناع التلميذ بحسن نيات المعلم بما يبديه نحوه من الرقة واللطف ودلائل الحب والإكرام. فالمعلم الذي يقسو على التلاميذ ويعاملهم بالشتم والضرب بحجة أنه يروم نفعهم يضر من حيث يقصد الإفادة وبدلاً من نزع السيئات من أخلاقهم نزعاً باتاً كما يخال يزيدها تمكيناً فيهم. لأن الولد الذي يحسن سلوكه خشية الشتم لا حباً بالآداب ويتقن دروسه رهبة الضرب لا رغبة في النجاح يقيم في أعماق نفسه أماكن حصينة للسيئات حتى إذا لاحت لها الفرص وخلت من الرقباء وأمنت العقاب تظهر من مكانها بادية للعيان وهكذا يتعلم الكذب والخداع والرياء ويشب على الجبن واللؤم والحقد وغير ذلك من نتائج القسوة والضغط وتتأصل فيه كراهة المعلم ويخاله عدواً لدوداً. هذا عدا ما يقتبسه من قسوته ويعيه في دماغه من كلماته الفظة الغليظة الدنيئة وعدا ما يتشربه من شراسته وعناده واستبداده.