فالقسوة في المدارس من أكبر آفاتها ومن أسوأ سباتها لأنها تخمل عقول الأحداث وتحط نفوسهم وتفقدهم الشعور الأدبي وقوة الإرادة والاعتماد على النفس وصحة الحكم على الأمور والتمييز بين الحسن والقبيح إذ يستسلمون للمعلمين بعقولهم وقلوبهم وينقادون إلى أهوائهم (أي أهواء المعلمين) انقياداً أعمى يصدهم عن إطلاق مجاري العقل والابتكار والاستنباط والاستنتاج ويزيدهم شراً على شر والفرق بين آداب تلاميذ المعلم المستبد القاسي الفظ المهين الضراب ونجاحهم وبين آداب تلاميذ المعلم اللطيف المحب المكرم المقنع بين ظاهر.
قال الأستاذ الحكيم الشيخ محمد عبده: جعل التعليم مقروناً بكرامة النفس هو قوام التربية فإن المعاقبة على الذنب بالإهانة والقسوة لا تؤدب النفس لأنها تخفي الأخلاق الذميمة ولكنها لا تمحوها بل تزيدها وتقويها فتكون كامنة حتى إذا تسنى لها الظهور تظهر في أقبح الصور. وأما الذي يمحو الأخلاق الذميمة فهو الإقناع بقبحها وضررها وحسن المعاملة وتكريم النفس حتى تتكرم من الشوائن وتأنف من كل ما ينافي الشرف.
وقال ابن خلدون أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم ذلك أن إرهاف الحد في التعليم مضر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد لأنه من سوء الملكة ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالاً على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل السافلين وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف. واعتبره في كل من يملك أمره عليه ولا تكون الملكة لكافلة له رفيقة به وتجد ذلك فيهم استقراءً وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء حتى أنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالحرج ومعناه في الاصطلاح المشهور التخابث والكيد وسببه ما قلناه فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبدا عليهما في التأديب. ومن كلام عمر من لم يؤدبه الشرع لا