في أحد دروسي أردت أن أشرح للتلاميذ حالة بلاد العرب عند ظهور الإسلام فرأيت خرائط مصر ودار السعادة كلها خلواً من أسماء البلاد والأماكن لذلك دعوت تلامذتي لأن يتلافوا هذا النقص ويستعينوا بالذي أبقاه لنا مثل ابن خرداذبة والأصطخري والمسعودي لنسد هذا النقص حتى إذا قرأنا شيئاً عن أخبار العرب عرفنا مواطن القبائل والشعوب وقلت لهم إن الذي يساعدنا على العمل الأكبر لهذا المقصد أن نسأل التجار وتلاميذ الجامعة الإسلامية الكبرى وهي الأزهر الذين يأتوننا من سائر البلاد الإسلامية فإنهم إذا سألوا أهل العلم والتجار الوافدين إلى مصر يمكننا أن نرسم خريطة وافية لبلاد العرب كافة أحسن من التي عملها الإفرنج وأضاعوا في سبيلها كثيراً من الأموال والأرواح ثم نعمل خريطة لبلاد العراق والشام وأتمنى من الذين يهمهم ذلك أن يستعينوا بأهل البلاد سواء كانوا من أهل العلم أو التجار لأنا بمجرد انقطاعنا عن طلب العلم والكسب قد نزلنا إلى الحضيض ووقفنا في طريق الجمود بينما كان الإفرنج يكدون.
أنا إذا أردت أن أعرف مواقع دمشق لا أقدر على ذلك إلا بالخرائط الإفرنجية وأما خرائط مصر ودار السعادة فكلها خلو من ذلك. هذا نقص يجب أن نتعاون على سده حتى لا نكون عالة على الإفرنج لا في العلوم فقط بل في مواقع بلادنا.
أول خريطة رسمت في العالم رسمها نفر قليل من أهل الشام وهم الفينيقيون وبلادهم جزر صغيرة متواصل بعضها ببعض ولم يكن لديهم قوة غير التجارة فملكوا بها العالم كله ووصلوا في ذلك الزمان المظلم إلى مضيق جبل طارق ومنه إلى بلاد الإنكليز وهم أول من عرف تلك البلاد وقد ملكوا منها كثيراً كما أسسوا كثيراً من البلاد في إسبانيا وكانت لهم المستعمرات في صقلية وغيرها. ثم نزحوا إلى تونس وأقاموا في قرطاجنة تلك المدينة الكبيرة ولقد كانت هذه المدينة تاج ملك الفينيقيين والدهر تارة لها وتارة عليها. أولئك هم آباء الشام حتى دار الدوروغار منهم الروم واليونان فأتوا أيضاً بطريق التجارة والملاحة وصاروا يأخذون أملاك القرطاجنيين وحينئذ تقدمت رومية وأزالت أثرهم من الوجود لكنا لا ننسى أن آنيبال بفضل التجارة مر من الجزائر ومراكش إلى إسبانيا ومنها إلى فرنسا فإيطاليا ووقف حتى صاح الرومانيون ببعضهم: ما لكم قاعدون والعدو على الأبواب وحينئذٍ لم يتمكن آنيبال من إتمام مقصده ولو كانت عنده السفن الحربية لكان محق رومية ولكنه