للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كل ماينعم عيشها، ويكفي حاجتها، إلا الزيارة فإني كنت أدعها مدة غياب زوجها، وقوله (سيبلغها خيري) أي يصل إليها معروفي ورفدي وأزال كذلك حتى يرجع زوجها من دون أن أدخل خدرها وتسبل علي سترها.

وقال حاتم أيضاً في هذا المعنى:

ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر

يقول أن جاري لا يضرم ناراً لنفسه وإنما تكون ناري له ناراً فيأكل هو وعائلته مما يطبخ عليها، بل إن القدر تنزل عن النار وتقدم إليه ليتناول منها حاجته قبلي

ما ضرني جارا جاوره ... أن لا يكون لبابه ستر

لا أبالي أن لا تكون ستارة على باب بيت جاري، وذلك لأني عفيف العين فلا أخشى على نفسي التطلع إلى داخل البيت، والنظر إلى النساء اللائي فيه.

أعشو إذا ما جارتي برزت ... حتى يواري جارتي الخدر

هذا البيت كأنه جواب لسؤال يوجه إلى حاتم: فيقال له أحسنت إذ لم ترسل نظراتك الخائنة من خلال الستور إلى نساء جارك ولكن كيف تصنع إذا برزت الجارة من خدرها وتمشت بين المضارب والبيوت، فقال إني إذ ذاك (أعشو) أي أغض عيني وأغمضهما فلا أعود أبصرها حتى تدخل خدرها، وتتوارى فيه، واصل (العشى) مقصور من دون همزة، أن يضعف بصر المرء فلا يعود يبصر في الليل، وإن كان يقدر على الإبصار في النهار، والوصف منه أعشى، وبه سمي الشاعر المشهور والناقة العشواء التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء يعترضها، وتعتسف الطرق على غير هدى، ومنه المثل فلان يخبط خبط عشواء.

وقد تجوز حاتم فاستعمل العشى هنا بمعنى غض العين، أو تخزير الجفن بحيث لا يعود يبصر إلا كما يبصر الأعشى الضعيف البصر.

وقد أعطانا هذا العربي الكريم في شعره درساً جليلاً في الأخلاق وفي آداب معاملة النساء يجدر بنا أن نحفظه، ونحتذي مثاله، فلا نتعرض إلى النساء الأجنبيات، ولا نسارقهن النظرات الخائنات.

وقد افتخر حميد بن ثور الهلالي بما افتخر به حاتم فقال: