وإني لعف عن زيارة جارتي ... وإني لمشنوء إلي اغتيالها
(مشنوء) مبغض مكروه، يقول أنه يكره أن يزورها لئلا يساء به الظن فيهان، كما يكره أن يغتابها لئلا يقال أنه تنزل لمنافسة النسوان.
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زواراً ولم تنبح علي كلابها
زوار على وزن غراب بمعنى كثير الزيارة ومن مادة الزيارة سمي الرجل الذي يكثر من زيارة النساء وغشيانهن ومجالستهن زير وبه سمي المهلهل أخو كليب الزير ويقال فلان زير نساء إذا كان مولعاً بمجالستهن وتصبيهن.
وما أنا بالداري أحاديث بيتها ... ولا عالم من أي حوك ثيابها
حوك مصدر حاك الثوب حياكة وزير النساء يعمل على تعرف أحوالهن وتسقط أخبارهن فيدري إذا جرى بينها وبين جارتها أو خادمتها وماذا رأت أو سمعت في العرس أو المأتم الذي ذهبت إليه، وقد يستخبر منها عن نسيج ثوبها، ومن أي صنف أو جنس هو، ومن أين اشترته، وعند أي خياطة خاطته كل هذه الأسئلة لأجل أن يكون له مادة للحديث يشغلها به حينما يزورها أو يصادفها، فشاعرنا العربي لم يقصر في درس طباع هؤلاء الأزيار جمع زير ومعرفة غريب حيلهم، فهو ينفي عن نفسه أن يكون فاسقاً مثلهم أو يشتغل بالنساء اشتغالهم.
ومثله في ذلك عقيل بن علفة المري الذي يقول من أبيات:
ولست بسائل جارات بيتي ... أغياب رجالك أم حضور
(غياب) جمع غائب، وقوله (رجالك) أصله (رجالكن) بالنون لأن الخطاب للجارات وهن جمع، قالوا إن هذا الحذف أو الخطاب بالمفرد جائز في الشعر فقط:
يقول: إنه لا يسألهن هذا السؤال ليتوصل به إلى محادثتهن، أو أنه لا يسألهن إياه إرادة الدخول عليهن، وقضاء لبانة منهن.
ولست بصادر عن بيت جاري ... صدور العير غمره الورود
(العير) حمار الوحش ووروده مجيئه الماء يريد الشرب وصدوره رجوعه عنه بعد شربه منه، و (غمره) بتشديد الميم من التغمير، وهو أن يرد حمار الوحش الماء فيشرب أول الشرب ثم يحس بالصائد الكامن له على الماء فيرجع نافراً غير متلبث وبه إلى الماء حاجة