فالشاعر يقول إني لا أدخل بيت جاري ابتغاء الريبة، وارده كما يرد عير الوحش منهل الماء، حتى إذا علمت بأن الجار في البيت صدرت ورجعت مسرعاً كما يفعل عير الوحش متى أحس بالصائد القانص إذ ينقلب عن المنهل مغمراً وتغميراً، وهو شديد الظمأ إليه.
ولا ملق لذي الودعات سوطي ... ألاعبه وربته أريد
(ذو الودعات) هو الصبي الصغير الذي يعلقون عليه الودع خشية العين ومسيس الجن، وقوله (ربته) تأنيث (رب) وضميره يرجع لذي الودعات، ويعني بربته أمه: لأنها تربيه وتملك أمره وتصلح من شأنه، حتى يبلغ كماله، والتربية مأخوذة من هذه المادة.
وقد زاد الشاعر هنا معنى لم يقله زميله الشاعر السابق: فهو يقول أنه ليس بالوقح الذي يتوصل إلى مغازلة النساء ومحادثتهن بمناغاة أطفالهن وملاعبتهم، فإذا رأى طفلاً مع امرأة حسناء أو خادمة وسيمة ألقى إلى طفلها سوطه أو سبحته أو فم سيكارته يظهر من نفسه الرحمة بالأطفال وشدة العطف عليهم، والأمر ليس كذلك وإنما هو فاسق يريد صاحبة الطفل، ويبغي بها السوء.
وأسلوب هذه الأبيات يعطي أن قائلها يريد التعريض بعدو منافس له: كأنه يقول أني لا أتنزل لأمثال هذه الشناعات وإنما ذاك خصمي فلان هو الذي اعتاد فعل ذلك.
ومثل قوله الأخير قول الآخر:
لا آخذ الصبيان ألثمهم ... والأمر قد يغزى به الأمر
(يغزى) من غزا قصد، ومن غزو العدو، لأن الغازي يقصدهم في موضعهم، ومنه أيضاً (مغزى) الكلام، و (مغزى) القصة أي المعنى المقصود منها، فلثم الصبيان هنا ليس مقصوداً لذاته وإنما هو أمر قصد به أمر آخر، وهو تجميش المرأة والتفكه بحسنها وجمالها، وشكلها ودلالها.
ولا أريد بالشكل هنا الهيئة والصورة وإنما هو بمعنى الغنج والدلال وشينها تفتح وتكسر، شكلت المرأة كفرحت فهي شكلة.
أما التجميش فلا أبيح لنفسي التصريح بأصل اشتقاقه، وإنما أكتفي بتفسيره بالمغازلة.
وخطر لي الآن أن المغازلة، ويراد بها محادثة النساء بكلام الحب، مشتقة من غزل القطن