من حديث الكذبة وذو الدين غير متورع عن تفريط الفجرة ويتقارضون الثناء ويترقبون الدول ويعيبون بالهمز يكاد أحزمهم رأياً يلفته عن رأيه أدنى الرضا وأدنى السخط ويكاد يكون أمتنهم عوداً أن تسخره الكلمة وتنكره اللحظة وقد ابتليت أن أكون قائلاً وابتليتم أن تكونوا سامعين ولا خير في القول إلا ما انتفع به ولا ينتفع به إلا بالصدق ولا صدق إلا مع الرأي ولا رأي إلا في موضعه وعند الحاجة إليه فإن خير القائلين من لم يكن الباطل غايته ثم لزم القصد والصواب وخير السامعين من لم يكن ذلك منه سمعة ولا رياءً ولم يتخذ ما يسمع عوناً على دفع الهدى ولا بلغة إلى حاجة دنيا فإن اجتمع للقائل والسامع أن يرزق القائل من الناس مقةً وقبولاً على ما يقوله ويرزق السامع اتعاظاً بما يسمع من أمر دنياه وقد صلحت نياتهما في غير ذلك فعسى ذلك أن يكون من الخير الذي يبلغه الله عباده ويعجل لهم من حسنة الدنيا ما لا يحرمهم من حسنة الآخرة كما أن المريد بكلامه أن يعجب الناس قد يجتمع عليه حرمان ما طلب مع سوء النية وحمل الوزر. وقد وافقتم في مسارعة فيما سألتموني فطمعاً في أن ينفع الله بذلك من يشاء فإنه ما يشاء يقع.
أما سؤالكم عن الزمان فإن الزمان الناس. والناس رجلان والٍ ومولى عليه. والأزمنة أربعة على اختلاف حالات الناس فخيار الأزمنة ما اجتمع فيه صلاح الراعي والرعية فكان الإمام مؤدياً إلى الرعية حقهم في الرد عنهم والغيظ على عدوهم والجهاد من وراء بيضتهم والاختيار لحكامهم وتولية صلحائهم والتوسعة عليهم في معايشهم وإفاضة الأمن فيهم والمتابعة في الخلق لهم والعدل في القسمة بينهم والتقويم لأودهم والأخذ لهم بحقوق الله عز وجل عليهم وكانت الرعية مؤدية إلى الإمام حقه في المودة والمناصحة والمخالطة وترك المنازعة في أمره والصبر عند مكروه طاعته والمعونة له على أنفسهم والشدة على من أخل بحقه وخالف أمره غير مؤثرين في ذلك آبائهم ولا أبنائهم ولا لابسين عليه أحداً. فإذا اجتمع ذلك في الإمام والرعية تم صلاح الزمان وبنعمة الله تتم الصالحات ثم أن الزمان الذي يليه أن يصلح الإمام نفسه ويفسد الناس ولا قوة بالإمام مع خذلان الرعية ومخالفتهم وزهدهم في صلاح أنفسهم على أن يبلغ ذات نفسه في صلاحهم وذلك أعظم ما تكون نعمة الله على الوالي وحجة الله على الرعية بواليهم فبالحري أن يؤخذوا بأعمالهم وما أخلقهم أن لا تصيبهم فتنة أو عذاب أليم.