كل مخطوط عربي فيه شيء من هذا القبيل وما لم يقدر على نقله اخذ له بالتصوير الشمسي فمن زار هذه المكتبة فكأنه زار مكاتب العالم أجمع واطلع على ما فيها من المواد التاريخية والجغرافية في هذا الباب.
شبهتني وأنا أشد الرحال إلى رومية للبحث في مكتبة الأمير الايطالي بطلاب العلم في أوروبا في القرون الوسطى وكان بعضهم من الإسرائيليين يقصدون بلاد الأندلس ليقرؤوا على علماء العرب علومهم ويرجعوا من كتب المسلمين ببله تروي غلة جهلهم فسبحلت وحوقلت قائلا ما أغرب تبدل الأمم والبلاد وما أهنأ الغرب بما صار إليه من دواعي المنعة وأسباب اعلم وما أشقانا بما فعل السفهاء منا.
يشقى رجال ويشقى آخرون بهم ... ويسعد الله أقواما بأقوام
وليت شعري يعود ذاك العهد السعيد بالعلم على العرب ويصبح أبناء اليوم يفاخرون بالقاهرة والقيروان وفارس ودمشق وبيروت وحلب وبغداد والموصل وصنعاء ومكة كما يفاخرون بغرناطة واشبيلية ولشبونة وغيرها من مدن الاندلس وصقلية التي استعمرها العرب بالعقل والعلم وأضاعها بعد ذلك جهل أبنائهم وغرورهم؟
أيظل الشرقي يا ترى يعتقد في نفسه الكفاءة والغناء ويقلع عن القول بان الغربي يغمطه حقه باستباحته حماه واكتساحه دياره الحين بعد الأخر؟ أم يهب باحثا عن جميع علل هذا الارتقاء عندهم والتدلي عندنا ويتعلم ما جهل مع الشكر لكل من يعلمه وينعشه من سقطته.
حكوماتنا هي السبب الرئيسي في إظلام العقول واشتغالها بالفضول وأهل الغرب هم الذين قوموا معوج حكوماتهم فهل ندرك جيلا من الناس يقوم اعوجاج حكومات الشرق ونتمتع على الأقل بمعرفتنا بأنفسنا ومن عرف نفسه عرف ربه.
دار الدعوة والإرشاد في القاهرة
اغتنمت فرصة مقامي بضعة أيام في القاهرة لقضاء بعض المشاكل أثناء شخوصي إلى ايطاليا لازور دار الدعوة والإرشاد التي أنشأها صديقي السيد محمد رشيد رضا منشئ المنار في السنة الماضية وكان ينوي إنشاءها في الأستانة أولا لو صادف من القابضين على زمام الأمر تنشيطاً على مشروعه وغرضه الأول من إنشائها إيجاد هيئة صالحة بالعمل من رجال الدين يجمعون إلى معرفة الدين النقي وأسراره وحكمه المطابق لأحوال