هذه المملكة الشاسعة الأطراف الوسيعة الجوانب ويدبرون أمورها.
ربما ساغ للإنكليز أن يقولوا أنهم عمروا البلاد وحسنوا حالها بإنشاء الطرق ومد الخطوط الحديدية وأسلاك البرق وإصلاح الري وسقيا الأرض وفتح أبواب الصناعات وبذل العناية في حفظ الصحة العامة ودرءِ أسباب المجاعات وتخفيف ويلاتها. ولكن هذه المواد النافعة لم تأتِ إلا من طريق العرض وهي منبعثة من المنافع الكبيرة والفوائد العظمى التي خص الإنكليز بها أنفسهم دون سواهم فهي ناشئة من حاجتهم إليها لأجل استثمار البلاد وأخذ نتاجها وغلتها. . .
وقصارى القول: إن الإنكليز لم يحكموا الهند من أجل عيون الهنود الكحلاء ولمنفعة الهنديين بل رغبة في مصلحة الإنكليز وحدها. . .
وما من أحد في الغرب يلوم الإنكليز على صنعها هذا. ولكن أليس من البديهي أن يصلح أهل الهند غير راضين عن هذه الحالة.
يقول الهنود: لا يعمل الإنكليز إلا لأنفسهم.
ويجيبهم الإنكليز: بأنهم يعملون لأنفسهم وفي عملهم هذا ينفعون البلاد الهندية. فهنا فرق دقيق لا يخفى على الناقد البصير.
وإن الهنود الدارسين في أوربا ليعلمون هذا الفرق ويدركونه وهم لا ينفكون من إلفات أنظار أبناء وطنهم إليه مشوباً بالإعظام والمبالغة. رأى الهنود المتعلمون وعرفوا ماذا حدث وجرى في جزيرة إيرلاندا ورأوا وعرفوا ماذا حدث في الممالك الأخرى فاقتدوا بهم ونسجوا على منوالهم وحذوا حذوهم وقلدوا الأيرلنديين والاجتماعيين والعدميين (سوسياليست وآنارشيست) في أعمالهم. .
خذ مثالاً لذلك حاثة عليبور سنة ١٩٠٨ وحادثة لورندا سنة ١٩٠٩ (وهي أن دنكرا الهندي قتل السير كرزون ويلي والدكتور لاتقا سنة ١٩٠٩) وغيرهما. . .
فالمتهيجون والكتاب والصحفيون من الهنود الذين يعرفون قوة الجرائد والمطبوعات وتأثيرها فتحوا باب حرب دائمة على صحائف الجرائد ضد الإنكليز يدعون الناس فيها إلى طلب الاستقلال في الإدارة (أوتونومي وبالهندية سوراجا) ويشوقونهم لمقاطعة البضائع الإنكليزية (بويكوتاج وبالهندية سوادشي) كما صنع الأيرلنديون في جزيرتهم.