فيتيسر بذلك للساكن أن يجيء نصف النهار إلى بيته ليتناول الطعام مع أهله وفي ذلك من الاقتصاد ما فيه إذ يمتنع رب الأسرة عن الذهاب على المطاعم أو الحانات وكلها مما تضر بصحته وكيسه معاً وبذلك لا يصعب عليه أن يدفع أجرة أغلى من الأجرة التي يدفعها البعيد عن مسكنه. وقد أسست شركات عظمى غنية في لندن منذ سنة ١٨٤٥ وكثرت في المدن البريطانية ورأس مال كل شركة من هذه الشركات لا يقل عن مليوني جنيه وتدعى أمثال هذه الدور دور الثكن (القشلاقات) وهي أبنية عظمى ذات خمس طبقات كل طبقة منفردة عن بعض يفصل بينها فناء متسع يلعب فيه الأولاد وقد فتحت فرج في الأدراج وجعلت في بعضها ممرات ومنافذ يدخل إليها النور والهواء وليس فيها دهاليز مظلمة وهي على غاية النظافة على أنواعها مستوفاة شروط الصحة كل الاستيفاء.
ومعدل أجرة مسكن ذي ثلاث غرف من مثل هذه المساكن هو ٤٠٠ فرنك وأجرة الغرفة الواحدة نحو ١٣٧ فرنكاً ومعدل أجحرة من يسكنون في أمثال هذه المنازل ستة فرنكات في النهار يدفعون أجورها صباح كل إثنين من كل أسبوع. وتسأل الشركة عن سلوك من يريد السكنى في بيوتها وعن مسكنه وذمته في أداء الحقوق وهي تؤثر الأسرة التي لها أولاد على غيرها على حين أن أكثر المؤجرين لا يرضون أن يكروا بيوتهم لمن كثر أولادهم فكان ذلك في فرنسا من جملة الأسباب في قلة النسل فيها.
وقد أوصى المستر بابودي الأميركي سنة ١٨٦٢ باثني عشر مليون فرنك لإنشاء دور من هذا النوع في وسط مدينة لندن ينفق ريعها كل سنة لإنشاء بيوت جديدة وقال في وصيته أنه بعد انقضاء قرن يكون الريع السنوي الناتج من الإيجارات قد بلغ مبلغاً عظيماً فلا يكون في لندن عامل فقير واحد لا يحصل على مسكن صحي موافق له ولأسرته بأجرة تناسب ما يقبضه.
ولو لم ينزل كما قال الخبيرون معدل الفائدة بعد مرور مائة سنة على موت هذا الكريم لجاوز ما جاد به مليارين وأسكن ٣٥٠ ألف أسرة. وقد ظهر بالإحصاء أن الوفيات ولاسيما وفيات الأطفال تقل في بيوت المحسن بابودي أكثر من غيرها وأن المواليد فيها أكثر وأن مساكنه كان لها تأثير حسن في الصحة.
والغالب أن هذه المساكن ناجحة في إنكلترا أكثر من غيرها في البلاد الأخرى وفي مثل