هذه البيوت بقليل من الذكاء والعمل يمكن للأمم التي تقول عن نفسها أنها متمدنة وأنها تتقي ذاك الجذام الخبيث من المساكن الضيقة التي تموت فيها الصحة وتفنى القوى بما ينبعث من روائحها الخبيثة وما يتزاحم فيها من الأقدام والأنفاس وما يتجلى عليها من الوحشة والبشاعة وما تكون سبباً له من الأمراض والاختلاط الضار والانحطاط الطبيعي والأدبي.
ولم تكتف إحدى الشركات في لندن بإنشاء بيوت رخيصة بل أنشأت مطاعم رخيصة للعملة. وأنك لتدخل تلك البيوت والمطاعم فلا تشهد أثراً للفاقة والفقر. وقد نظرت بعض تلك الشركات إلى مصلحتها المادية وإلى مصلحة الساكنين ورأت أن أعمالها لا تدوم غلا إذا كان ربحها معتدلاً فكان معظمها يعطي أرباحاً ثلاثة ونصف في المائة وبعضها أكثر من ذلك أي بقدر ما يعطي القنصليد الإنكليزي أو غيره من أوراق بعض الحكومات وفي ذلك من الفائدة للعملة البائسين ما يخفف عنهم شقاء الحياة وفيه خدمة المجتمع بأسره وأي فائدة له أكثر من أن يرى الشقاء يقل فتقل معه الأحقاد والحسد والثورات ويكون أرباب الأموال آمنين على أموالهم من الضياع وهم يتجرون في غرض شريف. وقد أسفرت مشاريع إنشاء هذه الدور عن ربح معتدل لمن قاموا بها ولذلك أقبل عليها هناك من لا يحبون المخاطرة بأموالهم في المضاربات وغيرها.
وما عدا هذه المنازل والدور الخاصة بالأسرات فإن القوم أقاموا غرفاً مفروشة للإيجار يسكنها رجل واحد أو امرأة واحدة أو فتاة أو فتى. فقد أنشأت جمعية الإحسان في باريز نزلاً أو حياً في مثل هذا وأخذت تؤجر الغرفى الكبرى بفرنك في اليوم والغرفة الصغرى بستين سنتيماً وهذا النزل عبارة عن خمس طبقات نظيفة يكثر فيها النور والظرف وغرفة المائدة متصلة بأحد المطاعم بشروط عقدتها معه وتقدم لها الأطعمة الجيدة بثمن بخس ومثل ذلك تجد في شيكاغو بأميركا وغلاسكو في إنكلترا وغيرها في غيرها.
ومما تفننوا بإنشائه من المساكن منازل للعزاب أقامها في لندن اللورد روتون فبلغت اليوم نحو خمسمائة مسكن يسكنها نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة مستأجر ينزلون فيها ما أحبوا ثم يغادرونها. وهذه المساكن أشبه بثكن جميلة آخذة من القوانين الصحية بنصيب وافر وكل مقصورة أو غرفة منها أشبه بمربط الحصان يسكنها الفرد وتكون مفتوحة من أعلاها. والمغاسل وغرف الاجتماع والطعام مشتركة بين الساكنين وهي معرضة للهواء النقي