والنور الذي ينعكس عليها من القرميد الأبيض المعمول بالمينا على السطوح وغرف الاجتماعات فيها مزدانة بالصور ومزخرفة أي زخرف ويباع فيها الطعام والثياب بأثمان بخسة وأجرة الغرفة في اليوم ستون سنتيماً. ومع كل هذا الرخص لا تخلو الشركة القائمة بأمر هذه المساكت من ربح تجنيه. وبالسكنى في تلك البيوت يتخلص العامل أو المستخدم من قسوة المؤجرين وطمعهم الأشعبي وينزل غرفة لا أوساخ فيها ولا أقذار بعيدة عن منهكات الصحة.
وأمثال هذهالشركات كثيرة في إنكلترا وتفوق ما هو من نوعها في فرنسا وقد أنشئ معظمها وأدير بيد مشاهير من النبلاء كان لهم البرنس ألبرت والبرنس دي غال أحسن قدوة يقتدون بها وقد حملتهم على الاستكثار منها أسباب كثيرة منها الخوف من ازدياد البؤس هناك وما أحدث في قلوب العقلاء من القلق ولا سيما كثرة السكان في لندن ونمو طبقات العملة.
بلغ رأس المال الموضوع في إنكلترا لإنشاء بيوت رخيصة للعملة ملياري فرنك وفي فرنسا مائة مليون فرنك ومعظم تلك الأموال تدفعها الحكومة كما هو الحال في ألمانيا وتدفع أحياناً من دوائر البلديات كما يجري في ألمانيا وإنكلترا وروسيا. وتقوم بذلك في بعض الأحوال شركات مختلفة النوع والصفة. وما أحلى ما تقوم به ألمانيا وتسلفه لعملتها ومستخدميها المساكين من الأموال لتقيم لهم بيوتاً رخيصة ما أمكن. وما عملها هذا لو دققنا النظر إلا الاشتراكية العملية على ما تتجلى في العادة الاشتراكية في شمال أوروبا الاشتراكية ليس سداها ولحمتها كلاماً ولا خصاماً قلما ينتفع بها إلا نافخو ضرامها ثم خصومهم ثم العدو القريب.
قال جان لاهور وإني وإن رأيت أن تسير الأمور أولاً بمعونة الحكومة وحمايتها ولكني أوثر أن تعمل عزائم الأفراد عملها مستقلة فإن العزائم إذا جمعت عظمت بالاشتراك وإنكلترا أعظم مثال في هذا الباب. نعم إن الإقدام الشخصي والشركات الخاصة أنفع للأمة في هذا الشأن. لأن إلقاء المسئولية على عاتق الحكومة لا يكون منه إلا سوء إدارة وقلة اقتصاد وعمل متوسط وأكلاف مفرطة فيما تتولاه. ثم أن الاعتماد أبداً على الحكومة يورث الأمة عادات ضارة تنزه منها الشعور بالاستقلال الذي هو أحرص ما تحرص عليه نفوس العقلاء ويعبث بالتربية الحرة ولا سيما في بلاد دستورية.