قيل لخياط في فيلادلفيا أنك تغش الناس بما تنشره من إعلاناتك التي تخالف أكثرها حقيقة الواقع فقال: أن في هذه المدينة مليون فلو خدع بما أعلنه عشرة في المائة منهم وأكثرهم بله مغفلون وتيسر لي أن القي في شرك احتيالي عشرة في المائة منهم أي عشرة آلاف نسمة فإنا في سعة من العيش وبسطة من الغنى. وفاته أن من خدع مرة لا يرجع ثانية في الغالب. وأحسن طريقة لدفع الغش عن القراء أن يجعل أرباب الصحف والمجلات أجوراً غالية على الإعلانات التي يلحق عليه إدارة الجريدة من مالها لأنها هي التي كأنت السبب في خديعته.
العامة وضعاف العقول يخدعون في العادة بكل ما حوت الإعلانات. والعامة أكثر الناس. ويليهم في الانخداع النساء ثم العملة. على أن العامة يقل عددهم في أمريكا لشيوع التعليم فيها فيقل لذلك المنخدعون بالإعلانات الساقطة يوماً بعد آخر. قال المسيو بوأنكره في كتابه (قيمة التعليم) وهو الكتاب الذي اشتهر بين الخاصة والعامة: لا يعرف كم نفع البشر الاعتقاد بعلم الفلك. فإن قدر الفلاح لكبار وتيخو براهي فذلك لإنهما كانا يروجان على السذج من الملوك أخباراً من المغيبات يبنيانها على قرانات الكواكب. فلو لم يكن أولئك الأمراء على جانب من التغفل يصدقون بما يلقى عليهم لكنا بقسنا إلى اليوم نعتقد أن الطبيعة تابعة لهوى النفوس وظللنا نتسكع في بيداء الجهالة. وهذا القول ينسج مثله على منواله فيقال: لو لم يكن للأمريكيين رغبة في اكتساب المال ولو لم يتنافسوا فيه ويتفاخروا في إحرازه ولو لم يكونوا متعجرفين ربما كنا رأينا القوى السامية في الإنسان تسقط في المزاحمة مع القوى العملية النافعة الصرفة في جنسنا الإنساني وكنا نسير الشؤون المادية على وجه سمج.
فالصنائع هي زخرف الحياة ولا يكون الزخرف إلا مع الغنى ولا يحصل الغنى في هذه العصور الديمقراطية البعيدة عن العبودية إلا بالتفإني في اصطياد الدرهم والدينار وقد ينتج من شر كبير خير كثير ومن الولوع بالمال في الاتجار بالأدب والفنون.