تراقب أعماله بعمل في عشر سنين ما كانت الشركة تعمله في سنة. ومن اللازم اللازب تمشية القواعد على الكبار قبل الصغار وإلا ساءت الحال. وبحق ما يذهب إليه العقلاء من أنه يعد من سيئات النظام الاجتماعي أن يعفى الكبراء من كل قيد ويرهق الصغار بأثقال القيود والقواعد فلقد حدث عن ذلك كثير من الأدواء الحاضرة.
ومما يصاب به ضعاف القلوب والإرادة أن يكونوا أحراراً في أعمالهم. ولقد عرفت موظفاً كان مثال الغيرة والمواظبة على العمل أيام كان في وظائف صغيرة فلما تدرج في المناسب وعد في مصاف الرؤساء أصيب بالانحلال في كل أعماله وصار يمشي مع هواه غير مراقب لأمس واليوم حساباً. ولعل بعضهم يعترض على كلامي هذا ويقول أن هذا الموظف كان منحطاً في أخلاقه أما أنا فلا أجيب من يلومونه إلا بأنهم كانوا يسيرون كما سار لو صاروا إلى مثل ما صار إليه. وإني لأرثي لحال من يقول أن منصبي حسن وعملي سهل وأنا حر لا يراقبني مراقب فلا يد فوق يدي ولا إرادة تحول دون إرادتي إذ القائل ذلك هو حقاً عبد نفسه وأهوائه ورذائله. ومما طوح بإمبراطرة الرومان فأفرطوا في الشهوات واسترسلوا في الموبقات أنهم كانوا يتمتعون بسلطة كبرى ولو حرم نيرون الظالم ما كان حصل له من السلطة لعاش ولا جرم عيش الأشراف بلا دبدبة بعيداً عن المفاسد والشرور.
وإني لموقن بأن القواعد التي تصد من يعمل بها عن الوفاء هي التي تسهل أمامه عقبات الأشغال وتجعلها في عينه هينة لينة. ومتى يا هذا حتمت على نفسك أن تنام كل ليلة الساعة العاشرة تشعر من نفسك بعد اعتيادك ذلك بغاية الانبساط الحقيقي.
لا يتأتى بلا قاعدة لأسرع الناس على العمل أن يقوم بأسباب حياته على ما ينبغي فيتعب أبداً في تنكبه العمل الذي لا يروقه إلى ما يروقه. من أجل هذا رأينا العاملين من الناس يبطئون في الجواب على الرسائل الواردة إليهم ونرى بعضهم لا يتسع لهم الوقت للمطالعة اللازمة وآخرين لا يعبئون بالأمور الخارجية. وكل ذلك فيه ما فيه من الأسباب المضرة في المجتمع. فالقاعدة النافعة هي التي تنادي العامل بها: ها قد آن وقت المراسلات. ها قد آن لك أن تكتسب معارف جديدة. ها قد حق عليك أن تزور أصحابك وتغشى خاصتك. وأرى أن السير على مقياس الزمن (كرونومتر) يصعب على المتفننين وعلى كل من يستهويهم الشعور ويسيرون بحسب الإحساس ولكني على يقين من أنه لا شيء أجدى نفعاً