وتفصيله ومسموعه ومرئيه وموجوده ومعدومه من غير هوى يمال به على العقل ولا ألف تغتفر معه جناية التقليد مع أحكام العقل الاختياري وترتيب العقل الطبيعي وتحصيل ما ندَّ وانقلب من غير أن يكون أوائل ذلك موجودة حساً وعياناً وكانت محققة عقلاً وبياناً ومع أخلاق الهيئة واختيارات علوية وسياسات عقلية ومع أشياء كثيرة يطول ذكرها وتعدادها ولا تبلغ أقصى ما لها من حقها في شرفها.
ثم قال وكان شيخنا يحيى بن عدي يقول أني لأعجب كثيراً من قول أصحابنا إذا ضمنا وإياهم مجلس نحن المتكلمون ونحن أرباب الكلام والكلام لنا بنا كثر وانتشر، وصح وظهر، كأن سائر الناس لا يتكلمون أو ليسوا أهل الكلام لعلهم عند المتكلمين خرس وسكوت. أما يتكلم يا قوم الفقيه والنحوي والطبيب والمهندس والمنطقي والمنجم والطبيعي والإلهي والحديثي والصوفي قال وكان يلهج بهذا وكان يعلم أن القوم قد أحدثوا لأنفسهم أصولاً، وجعلوا ما يدعونه محمولاً عليها ومسؤولاً من عرفها وإن كانت المغالطات تجري عليهم ومن جهتهم بقصدهم مرة وبغير قصدهم أخرى قال وكان يصل هذا كثيراً بقوله والدليل على أن النحو والشعر واللغة ليس بعلم أنك لو لقيت في البادية شيخاً بدوياً قحاً محرماً لم ير حضرياً، ولا جاور أعجمياً، ولم يفارق رعية الإبل، وانتياب المناهل، وهو على قبح هيئته التي لا يشق غباره فيها أحد منا وإن كلف (كذا) فقلت له هل عندك علم قال لا: هذا وهو يسير المثل، ويقرض الشعر، ويسجع السجع البديع، ويأتي بما لو سمعه واحد من الحاضرة وعاه واتخذه أدباً، ورواه وجعله حجة، وكان يقول هذه الآداب والعلوم هي قشور الحكمة وما انتثر منها على فائت الزمان لأن القياس المقصود في هذه المواضع والدليل المدعى في هذه الأبواب معها ظل يسير من البرهان المنطقي والرمز الإلهي والإقناع الفلسفي.
قال أبو حيان رويت لأبي سليمان كلاماً لبعض المتصوفة فلم يفكه ولم يهش عنده وقال لو قلت أنا في هذه الطريقة شيئاً لقلت: الحواس مهالك، والأوهام مسالك، والعقول ممالك، فمن خلص نفسه من المهالك، قوي على المسالك، ومن قوي على المسالك، أشرف على المهالك، شرفاً يوصله المالك، قال أبو الخطاب الكاتب الشيخ هذا والله أحسن من كل ما سمع منهم فلو زدتنا منه فقال: الحواس مضلة، والأوهام مزلة، والعقل مدلة، فمن اهتدى في الأول