وذكرت عند هذا الصنيع أن جبرائيل بن بخنيشوع المتوفى سنة ٣٥٦ كان يضع من وراء الحجارة التي يجلس فيها مواقد تبعث من وهجها ما يكسر سورة البرد. دخل عليه أحد ألفضلاء على ما قصه موفق الدين في طبقات الأطباء فأحس بدفءٍ وقد أصبح البرد شديداً فكشف له بخنيشوع عن جوانب المقعد فإذا موضع له شبابيك خشب بعد شبابيك من حديد وكواتين فيها فحم الغضا وغلمان ينفخون ذلك ألفحم بالزقاق مثلما يصنع الحدادون.
ويفتحون في النوادي الكبيرة مراوح ذات آلات تجلب إليها الهواء النقي أو النسيم البارد بإدارة كهربائية. فمن محال القهوة ما يسع أكثر من ألف نسمة فتجد الجالسين صفوفاً مرصوصة ولا يحس الداخل بكدر في الهواء مع ما يقع من التدخين. وهذاأيضاً ذكرني أن بخنيشوع الذي دبر طريقة تسخين الحجرات إذا دبت عقارب البرد قد فكر في وجه استخلاص النسيم البارد إذا رمت الظهيرة بجمراتها فكان يعد من خلف القبة التي يتبؤها مواضع يصف فيها قطع من الثلج ويأخذ الغلمان مراوح يستثيرون بها من ذلك الثلج نسيماً بارداً فيهب إلى القبة في طريق متجددة.
وكانوا يستوقدون الشمع وبعض أصحاب البيوت يصنعونه من شحم البقر بأيديهم إلى قريب سنة ١٨٤. فظهر بينهم زيت الغاز المعدني اكتشفوه في أربع ولايات من ألمانيا ولكن منابعها ليست بغزيرة وقد تهللت اليوم بالضرورة مسارج الكهرباء والغاز البخاري في كل محلة. أما القصور القيصرية فكانت تنار بالشمع المستخلص من عسل النحل ثم انبجست فيها أنوار الكهرباء سنة ١٨٨٨.
ولا تخلو أبواب البيوت ودواخل الحجرات من أجراس يستند تنظيمها بين الضغط على أزرارها ورنة مطرقتها إلى مجرى كهربائي تستمده من معمل تشترك فيه محلات متعددة. ويصنعون في كل حجرة من ألفنادق الشهيرة ثلاثة أجراس يدعو النزيل بإحداها من تكلف بتنظيم الحجرة وبثانيها من يعين لمناولة ما يحتاج أليه من مثل طعام أو شراب ومن ثالثها من يختص بحمل الأمتعة.
ترتبط المنازل بأسلاك حاكي الصدى التلفون وقد ريحوا بوسيلته قسطاً عظيماً من أوقاتهم فيكون الإنسان في غنى عن أن يبدد قطعة من الوقت الذي هو سلك عمره في مسافة الذهاب إلى مكان آخر والإياب عنه بإبلاغ كلمة والإنصات إلى مثلها. وقد أصبح من