للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه خلاصة وجيزة عما أعمله (وهو كثير) من هذا الكتاب الفريد الجليل وقد كنا أبناء العرب ولا نزال إلى هذا اليوم لا نعرف سوى ما سبق من القطع التي تفضل الإفرنج بل تصدقوا علينا بطبعها من هذا الكتاب النفيس المكتوب بلغتنا ولفائدتنا. فانعكست الآية وجاءنا النور ضئيلاً من الغرب ومازلنا إذا احتجنا إلى شيء من ثمراته اضطررنا لاقتطافه من الترجمة الفرنسية وفيها ما فيها. وفي حاجتنا وفاقتنا إلى تلك الترجمة من العيب علينا والحط من كرامتنا فضلاً عن عدم إمكان الوقوف عَلَى الحقائق كما هي.

ولم يكن في دار الكتب الخديوية إلا الجزء الأول مكتوباً بخط جميل ومتضمناً للمصورات (الخرط) الجغرافية ولكت فيها تشويها كثيراً وتحريفاً يجعل الفائدة منه قليلة. فلذلك كانت عنايتي كانت منصرفة للحصول عَلَى نسخة كاملة منه حيثما وجهت عزيمتي لجمع نفائس الكتب التي تكون أساساً لإحياء الآداب العربية بديار مصر. وقد وفقني الله لطلبتي وحصلت عَلَى أربع نسخ كاملة منه وهي الآن بدار الكتب الخديوية. ومتى حان الوقت المناسب لطبعها أخرجناها للناس وإظهاراً لمجد العرب وتعريفاً للكاشحين بمآثرهم الخالدة التي لا ينكرها إلا من كان في قلبه مروض ولا يجحدها إلا الجاهل الذي يعميه الغرض.

أما الكتاب فعنوانه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) ولما كان علماء الإسلام يعرفون الفضل لذويه فقد كادوا يتناسون العنوان ولا يذكرون هذا الكتاب إلا مقرناً في مصنفاتهم باسم (كتاب رجار) إذا كانوا من أهل المشرق وباسم (كتاب اجار) إذا كانوا من المغاربة وذلك تخليداً لذكرى ذلك الملك الفاضل.

ومما يحسن ذكره في هذا المقام أن رجلاً طلب من الإدريسي قبل اشتغاله بتأليف هذا الكتاب أن يصنع كرة تمثل الأرض بما عليها وقدم للشريف كمية وافية من الفضة الخالصة فصنع له الكرة عَلَى ما يشتهي. وقد بقي من هذا المعدن النفيس شيء كثير جداً فتركه الملك له. ورجاه رجار أن يقبله دليلاً عَلَى أنه يعرف فضله.

ولم يكن عَلَى الشريف قاصراً عَلَى الجغرافية والفلك بل كان بارعاً في معرفة الطب وعقاقيره. وقد ألف في هذا الفن كتاباً أصبح الآن معدوماً بالكلية. ولكن من يمعن النظر في مفردات ابن البيطار يعرف قيمة هذا الكتاب. فقد نقل عنه كثيراً في كتابه الباقي بين أيدينا بأصله العربي وبترجمته الفرنسية.