للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخلوة وأن العباسة تحيلت عليه في التماس الخلوة لما شغفها من حبه فحملت ووشي بذلك للرشيد فغضب ونكب البرامكة.

وقد رد ابن خلدون على هذه التهمة الشنعاء أحسن رد معقول فدفع هذه الفرية عن ابنة خليفة وأخت خليفة محفوفة بالملك العزيز والخلافة النبوية وصحبة الرسول قريبة من عهد البداوة وسذاجة الدين وما هذه التهمة إلا مما وضعه الوضاعون يقصدون التوصل منه إلى النيل من أولئك الخلفاء بهذه الطريقة السافلة وإغراء الناس على إتيان المنكرات ليقول العامة إذا كان مثل الرشيد يعاقر الخمر ويقدح في مروءته في مسألة تزويج أخته فأولى بنا أن لا نشدد في قيود الدين والآداب ونحن يسعنا ما يسعهم وقد قال الطبري وهو من ثقات المؤرخين والمحدثين أن الرشيد كان يصلي في كل يوم مائة ركعة نافلة وكان يغزو عاماً ويحج عاماً. أما الشراب الذي يرمي بنو العباس بتناوله فكان عصير التمر وقد أفتى بحله الفقهاء.

وإنا إذا تمدنا في أخبارنا على مثل كتاب أعلام الناس ونزهة المجالس وشمس المعارف وغيرها من كتب الموضوعات واعتقدنا صحة أقوال بعض أرباب الأهواء من المؤرخين لا يكاد يبقى لنا بقية يعتد بها من الخلفاء والأئمة ما كانت الأمة تبقى إلى اليوم محافظة بعض الشيء على آدابها وأخلاقها. ومن ذلك ما وقع مؤخراً لصاحب مقالة تعليم النساء فنقل ما قاله الأدباء وأكثرهم من المخالفين لبني العباس في مذهبهم الديني والسياسي_في علية حفيدة المنصور وبنت المهدي وأخت موسى الهادي وإبراهيم ابن المهدي والرشيد والعباسة وأسماء وعمة الأمين والمأمون والمعتصم وإنها كانت تشبب بغلامين طل ورشا وإن الرشيد لما آنس منها ميلاً إلى طل وهبها إياها وقبل رأسها وقال لها لست أمنعك بعد اليوم من شيءٍ تريدينه!

ولئن رجح الكاتب الرواية الثانية لما عرف من أنفة الرشيد وغيرته ولكنه كان عليه طرح هذه الرواية المدخولة لأدنى نظرٍ قياساً على نظائرها مما روي عن أرباب الخلاعة من الماجنين من الشعراء والوضاعين من أهل الأهواء ممن يريدون الاعتذار عن سيئاتهم باتهام العظماء بهذه التهم الشنعاء ليكون الناس في الخزي والبذاء كأسنان لمشط في الاستواء ولطالما ودَّ صاحب الكبائر لو كان الناس كلهم شركاءهم فيما يقترفون.