وإنا إذا وضعنا هذه الرواية على محك الروية لتجلى لنا لأول نظرة بأنها لا تصدر عن عامة الناس في عصر الرشيد والمأمون وناهيك به من عصر بلغ الغاية في الآداب والعلم والصيانة فكيف يعقل صدور ذلك من خليفة وابنة خليفة وأخت خليفة ولو وجد عقلاء عصره ورجال دولته أقل نقد عليه لما سكتوا عنه ولو أغمضوا عيونهم لما خفي أمره على الطالبين القائمين بالدعوة إلى أهل البيت وهل أحسن لهم ذريعة في إسقاط الرشيد والمأمون من نسبتهما إلى أمور لو ثبت أقلها لكانت تقصيهما عن منصب الخلافة ولو كان أهل الأرض ظهراءهما.
إن أخلاق السوقة تأبى لعمز الحق الرضى بما نقله أهل المجون عن الرشيد وسماحه لأخته بمعشوقها وقوله لها أنه لا يصدفها عن إتيان ما تريد إذا كان فيه هوى نفسها! وإن نسبة تلك الأشعار في النسيب والتشبيب إلى امرأة كعلية من فضيلة النساء لا يرضى به السوقة دع عنك الخلفاء بعد الذي علمناه من أن العرب كانوا يقتلون من بناتهم من تشبب وتفحش في غزلها فكيف بعد هذا نثق برواية القيرواني في علية وهو أموي والأصفهاني وهو علوي. ومعاداة العلويين والأمويين لبني العباس معلومة مشهورة وميل الأدباء والموسيقيين للأغراب لإدهاش الناس معروف موصوف ومتى كانت تؤخذ حقيقة علمية من أديب أو فضيلة أخلاقية من شاعر.
وعندنا أن كل ما اتهم به الوضاعون وأهل الخلاعة بعض الخلفاء الأول من بني العباس إنما أتى من تكتم العباسيين في أسرار دولتهم ولأنهم أعطوا الأمة حرية أمنت فيها فلم ير بعض أردياء الفطرة أقرب إلى العبث بعقول العامة بنشر تلك الموضوعات والمجونيات بين العامة والخاصة كما أشاعوا سوء القالة عن العباسة وعلية والناس أميل إلى الشر منهم إلى الخير وإلى كسر القيود أكثر من الاحتفاظ بها وإلى أقاصيص الهزل وأساطير اللهو أكثر من روايات الجد وتلقف الحقائق. وكل شيءٍ يحتاج إلى تمحيص وحاجتنا إليه في التآليف والمؤلفين أكثر حتى لا نتغرر بكل قول ولا نصحح كل نقل.