العصام في حاشيته عَلَى الجامي لا يوافق الجامي بإطلاقه عَلَى ابن الحاجب لفظ العلامة المشتهر في المشارق والمغارب فقال أن في وصف ابن الحاجب بالعلامة نظراً لأن هذا اللفظ إنما يناسب فيما بين العلماء من جمع جميع أقسام العلوم كما هو حقه من العلوم العقلية والنقلية وليس ابن الحاجب إلا من العلماء في العلوم النقلية. ولذا خص من بين العلماء قطب الملة والدين الشيرازي بالعلامة حيث سبق العلماء كلهم في جميع أقسام العلوم.
هكذا كان أدب سلفنا أما اليوم فقد استرسل عباد المظاهر في هذا الشأن فسموا إلى تلك الألقاب الشريفة التي لم يجوزوا إطلاقها عَلَى مثل ابن الحاجب الإمام المحقق في فنه وبلغت الحال ببعضهم أن صاروا يكتبونها بأيديهم عن أنفسهم كأن العلامية أو العالمية والإمامية لا تثبت بالأذهان إلا بمثل هذا العمل.
وعندنا أن الأحرى بمن تدور معارفه عَلَى الفقه وحده أن يسمى فقيهاً إن كان ممن برزوا حقيقة في أصوله وفروعه ومن اقتصر عَلَى الأصول وحده أن يسمى أصولياً ومن غلب عليه علم الحديث أن يقال عند حديثياً وإلا كلمة عالم لا تقال إلا لمن يعلم بما يعلم كما قال بعضهم وإن شئت فقل لمن يظهر فيه أثره ويمتزج بأجزاء نفسه أي امتزاج قال ابن جني: لما كان العلم قد يجوز الوصف به بعد المزاولة له وطول الملابسة صار كأنه غريزة ولم يكن عَلَى أول دخوله فيه ولو كان كذلك لكان متعلماً لا عالماً.
جرت عَلَى هذه القاعدة الأمم الراقية قديماً وأمم المدنية الحديثة لعهدنا فلم يطلق عَلَى سقراط أو أفلاطون أو أرسطو الفلاسفة ألقاب العلماء في بلاد اليونان إلا بعد أن قضى كل منهم سنين في التعلم وسنين في التعليم وهكذا رايتنا الأمم الحديثة لم تطلق عَلَى نيوتن وهكسلي وكونت وكانت وكيتي اسم عالم إلا بعد أن درسوا الدروس النظامية كلها وبرزوا عَلَى رجال عصرهم بفنون مخصوصة أبرزوا فيها آثار علمهم وأثروا في محيطهم.
ومن عجيب الأخلاق أن من ينتسبون لشيء من علوم الدين في عهدنا يعز عليهم إلا أن تبقى ألفاظ العالم والمحقق والعلامة محصورة بأهل طبقتهم كأن من يعلم الهندسة أو الطب أو الحقوق أو الصحافة أو السياسة لا يستحق أن يعد من العالمين ولو أيدت عامه أمثلة كثيرة يريدون أن تبقى هذه الألفاظ لهم وكذلك بعض المشتغلين بهذه العلوم الدينية يعز عليهم أن يطلقوا الألقاب العلمية عَلَى من لا يعلمون علومهم في حين رأينا صاحب إرشاد