ومع ما نراه من حال ذاك الشعب المهزع المنتشر الأطراف الخالي من كل جامعة قد انشأ له مدينة باهرة دامت قروناً تنير العالم بدائعها وظلت إلى يوم الناس هذا لم تمسها يد بسوءٍ. فارتبط الهنود من الشمال إلى الجنوب من جبال حملايا إلى رأس كومور برباط واحد وعملوا بقلب واحد وتبعوا بروح واحدة تدفعها الثبات الذي لا يوصف والغاية المشتركة التي وجهوا كلهم وجهتهم إليها وذلك أنهم لم يرموا إلى غرض سياسي ولا إلى غرض اقتصادي بل لأن المجتمع الذي ألفوه ورتبوا درجاته لم تكن غايته زمنية دنيوية بل كانت دينية فاستقام الأمر للمستعمرين لأن القوم لا تهمهم السياسة ولأن النواب والراجات المغلوبين عَلَى أمرهم ليست لهم أصول راسخة في البلاد ولا منزلة في قلوب الأمة فكان الدين هو الذي يحرص القوم عَلَى بقائه والانكليز أحرص الناس على احترامه ولا سيما بين طبقات البراهمة التي كان لها تأثير شديد في العامة.
أدرك الانكليز في الحال صراحة بأنهم في حلّ من أن يؤسسوا في الهند الحكومة التي تروقهم من حيث الإدارة والنظام السياسي والتشريعي على أن لا يمسوا المعتقدات ولا رجال الدين بسوء فانشأوا حكومة جديدة سموها حكومة الاستقلال ولم يراعوا في تأسيس هذه الحكومة أصول الشعوب إذا كان هنا البنغاليون الجياع وهناك الباهراتيون الشجعان وفي مكان أبعد سكان ميزور وفي المقاطعات الأخرى السيخيون النشيطون فتجد الفلسفة العالية والتصوف البديع إلى جنب الخرافات المستحكمة والتعصب الشديد بل راعوا اختلاف طبائع الأقاليم من حيث وضعها الطبيعي عملاً بما قاله أحد رجالهم من أن الاختلاف في أصقاع الهند أشد مما تراه في ظاهر أرضنا وسياراتنا من المشاهد. ولم ير المستعمرون من مصلحتهم أن يؤلفوا وطنية هندية فيكون لسكان بنجاب وبنغل وطنية خاصة بل عزموا عَلَى توسيع الاختصاص وتقسيم البلاد في إدارتها عَلَى خلاف ما جرت عليه فرنسا في ربط البلاد كلها بالعاصمة مباشرة لأنها ترمي إلى تجنيس أهل البلاد المستعمرة بالجنسية الفرنسوية. وبعد تجارب طويلة تمت لانكلترا سنة ١٨٦١ صورة الهند وكانت هذه الصورة معدلة منظوراً فيها وهي الصورة التي جرت عليها شركة الهند الشرقية سنة ١٧٧٣ واستصدرت بها قانوناً من مجلس النواب فقسمت الهند أولاً إى ثلاث