حتى انك لترى في المعلمين كثير يقيمون الحجة على الاكراه في تعليم الدين بحسب قانون لا ينطبق على معتقداتهم الدينية الخاصة. وهناك حزب عظيم من القوم يطالب على الدوام بالاستكثار من المعاهد التي تقبل التلاميذ من كل المذاهب.
والظاهر أن ألمانيا لاتنوي الان نزع النصرانية من المدرسة حتى أن أرباب الأفكار الحرة وهم بعيدون عن كل معتقد لا يرون بان نزع الصبغة الدينية من التعليم في ألمانيا هو من الممكن او مما يرغب فيه وهم معتقدون بانه متى أصبحت المدرسة (كافرة) لا دين لها يحول قسم وافر من سكان البلاد ولاسيما من الكاثوليك وجوههم عن المدارس العامة وينظمون لأبنائهم مدارس خاصة يتلقى فيها الأبطال التعليم الديني الذي يراه ذووهم ضرورياً لهم. على أن جمهور كبير من الألمان لا يرون (المدرسة الحرة) على الطريقة الفرنسوية من الانموذجات التي تحتذي والأمثلة التي ينسج عنها.
يرى المسيو بولسان وهو من مشاهير المؤرخين في علم التربية ومن أرباب التأثير أن فرنسا الكاثوليكية إن رأت اضطرارها إلى تأسيس مدرسة عامية حرة لتكون متشبعة بالروح الوطنية فإن هذه الضرورة لم توجد لحسن الطالع عند الألمان لأنهم اعتادوا مجاراة للنشوء الديني أن يوفقوا بين العلم والدين والمعرفة والإيمان ولهم من التوراة اداة لا مثيل لها من التربية الأدبية لا تغني عنها أجمل الشذرات المنتخبة من كتب الآداب العامة. إذا فلا مانع الأساتذة من احتفاظهم بالتعليم الديني والتوارة وإن يعدوا عقول النابتة الألمانية لتعليمها مبادئ النصرانية التاريخية مشذبة من صبغتها الدينية مقتصراً على مافيها من لباب الآداب. اما أنا فلا اعجب مما يذهب إليه العالم المشار إليه من هذا التوفيق إذا كان هوالمقبول بين أهل الطبقة الوسطى في البلاد أكثر من المذهب المتطرف الذي ينبذ من المدرسة كل تعليم ديني.
فالتعليم العام على هذا الوجه بتحرر من قيوده كما أنه يكون أكثر انصباغاً بالصبغة الديمقراطية.
ولقد كان التعليم في ألمانيا بادئ بدء مقصوراً على طائفة خاصة من الناس ثم صار تعليماً اكليريكياً في القرون الوسطى ثم عالياً وارستقراطياً على عهد النهضة (سنة ١٤٥٣) إلى القرن الثامن عشر ثم أصبح مدنياً بامتتزاجه بفلفسة إنكار الوحي والانصياع بصبغة