الحضارة اليونانية فساغ بذلك لأهل الطبقة المتحضرة. ومن الألمان أن يرأسوا الحركة العقلية. وفي القرن التاسع عشر اقتربت ألمانيا شيئاً مما كانت ترمي إليه من التهذيب الوطني الذي نادى به فيختي فيخطبه للامة الألمانية.
زالت الحواجز التي كانت تحول دون اصناف التعليم ولم تبق اللغة اللاتينة لغة إجبارية لكل من أراد التهذيب العالي. وانتزع من المدرسة المدنية على التدريج ما كان لها سابقاً من صبغة مدرسة لاتينية وكان من النجاح الذي تم للمدارس الابتدائية او قرب بينها وبين المدارس الثانوية وإن قلت على التوالي مسافة الخلاف بين الأساتذة الذين تخرجوا في المدارس الدينية وبين الأساتذة الذين تلقوا التعليم العلمي لاسيما وأن التعليم على اختلاف درجاته أصبح يلبس ثوب العمل والحقائق. وكان تعليم الطبقات العالية في المجتمع الألماني في أواخر القرن الثامن عشر عبارة عن تحسين الذوق والأدب فخلف هذا التعليم في أوائل القرن التاسع عشر التعليم الأدبي. وقد رأينا النشوء نحو الفلسفة الحسية الذي تم بين الطبقات المستنيرة وكان من أمر هذا النشوء بالطبع رد فعل في معاهد التعليم فغدا التعليم على اختلاف درجاته أكثر تشبعاً بالروح الأدبية أو الفلسفية وأقل تمسكاً بالنظريات. وقامت بجانب المدرسة الأدبية مدارس احدث من مدارس الفلسفة الحقيقية والحسية وزادت العناية بتعليم العلوم واللغات الحية فكانت وافية بحاجات أهل المدن الصناعية أو التجارية ونشأت بالقرب من الكليات في كل مكان مجامع علمية ما زالت على ارتقاء ونماء. وهكذا أخذ يتداعى الحاجزالقديم الذي كان قائماً بين المتعلم في القديم العلوم الأدبية واللغوية والأمي الذي لم يكن وأحداً للكل بل يحق لكل فرد أن يأخذ منه بقدر ما تسمح له قواه الطبيعية والعقلية محل التهذيب الأدبي واللغوي الخاص بعلية القوم وأهل الطبقة المستنيرة منهم.
وعلى الجملة فقد عملت ألمانيا في خلال القرن الماضي بهمة لم تعرف الوناء في سبيل نشر العلم بين جميع أبنائها والاشك أن حماستها في ميدان المدارس اختلفت صعوداً وهبوطاً في تلك الحقبة من الزمن. فكانت شديدة للغاية في خلال الثلث الأول من القرن الذي وضعت فيه أسس تنظيم التعليم العام من المدرسة الابتدائية إلى الكليات ثم بردت في خلال الثلث الثاني من نالقرن خاصة فكانت حكومات ألمانيا على عهد الثورة بين سنتي ١٨٣٠و ١٨٧٠ يحذرون بل يعادين التعليم العام ولكنه عادت إليه حياته غداة الغلبة التي