وقد جرى بين الناس جرى المثل بأن المعلم الألماني كان هو الظافر الحقيقي في معركتي سادوفا وسيدان وأن الغلبة ألمانيا اتتها في الحقيقة من سر تقدمها في مضمار العلم والتهذيب. لا جرم أنه بدرت اليوم بوادر الشك في فضيلة تأثير حالة تشبه الحالة التي دفعت أرباب الأفكار عندنا (الفرنسيون) ان يطالبوا باسقاط العلم وتفليسه فأثبتوا والسويداء متغلبة على عقولهم بأن العلم الذي يرجى أن يكون منه كشف اسرار ما في الكون وأن يأخذ بايدي الأخذين من معينة فيقودهم إلى وجهة عامة ويسوق أرادتهم سوقاً لم يؤد قط إلى حقائق قطعية مطلقة. بلى كان من منافعه أن حل بعض المعضلات حلاً قليلاً موقتاً لا يزال على الدهر موضع النظر والتنقيح. وكثير في الناس من شعروا دفعة واحدة بان قد انتهكت قوأهم بما يقضى عليهم تعلمه من المعارف الكثيرة التي تؤهلهم إلى الأحاطة بعض الشيء في دائرة من دوائر العلم ولذلك يئسوا او كادوا من هذه الحالة التي توشك أن تكون مستديمة لهذا النشوء الذي لا حد له وتستلزمه دواعي العلم. وربما ظهر اليوم ما كان يخالج افئدة الطبقة الخاصة وبعض أهل الطبقة الوسطى من سوء الظن لتستقبل الذي استحكم منها حوالي منتصف القرن. وتتساءل الحكومة فيما إذا كانت لم تسرف في بث التعليم بين طبقات الأمة وفيما إذا لم يكن التعليم نقمة لا نعمة على قسم عظيم من الأمة وفيما إذا كان لا تتعذر أرادة شؤون امة نالت من التعليم شطره او نصفه. وقد ساعد القلق الذي سببه النجاح الاشتراكية على نشر هذه الشكوك بين أناس كانوا منذ عهد غير بعيد مقاومين كل المقاومة بل مقتنعين كل الاقتناع بانه من الفروض العينية على الحكومة أن تبذل العلم وتنشره بين جميع رعاياها.
وقد ظل الرأي المعتدل موقناً على الجملة كما قال المسيو بولسان بانه لا تحرز المكانة العليا في الجهاد العام نحو التفوق والسلطة الا الأمم التي تحسن أن تضمن لفتيانها تعليماً متيناً وتهذيباًَ راسخاً بما تنظمه من المدارس المتقنة وما تكونه من البيوت الناحجة من حيث شؤونها الاقتصادية والسالمة من شوائب المفاسد الأخلاقية.
ويرى العارفون أن تأويل الارتقاء الذي قامت به ألمانيا أتى من اسرع الألمان قبل جميع الأمم في وضع التعليم الإجباري قبل غيرهم ومن عنايتها بتخريج أساتذة عارفين ما امكن