خلال القرون الوسطى أيام انتشار الإقطاعات وتسلط الأشراف ورؤساء الديانات في الغرب أما في الشرق ـ ونريد به البلاد العربية ـ فإن الأوهام كانت تتسلط على الناس بعد الإسلام بحسب حال الحكومات المتغلبة من العقل والجهل والدين والإلحاد ولذلك أتت على العامة أدوار كانوا يعتقدون أن الخاصة من طينة غير طينة البشر فهم أحق بالتقديس فقدسوهم ورفعوهم فوق أقدارهم ولم تكن نفوس الطبقة العالية من التهذيب بحيث تحسن استعمال هذه الامتيازات التي امتازت بها بل استعملتها ذرائع إلى الاستكثار من الثروة من غير حلها وللتبجح بالباطل بما لم يأمر به شرع إلهي ولا عقل إنساني ولذلك صرت ولا تزال ترى بين الطبقة العليا والدنيا من الفروق ما لا تراه في أكثر الأمم اللهم إلا الهنود والصينيين فإن مسافة الخلف بين طبقات الناس هناك مما يعجب منه أيضاً.
انتبه أهل الغرب لسر الاجتماع البشري أكثر منا. والغالب أن سلطة الأشراف أو أهل الطبقة العالية بلغت عندهم قبيل نهضتهم مبلغاً لا تطيقه نفس بشرية فكان القيام على نزع تلك السلطة من أول الإصلاح عندهم ثم بقيت الطبقات تتقارب بعضها مع بعض وإلى اليوم لم يبلغ هذا التقارب أشده عندهم ولكنه لو قيس بما بين مختلف الطبقات في شرقنا لعد غاية الارتقاء.
إذا تقارب الخاصة من العامة وعرف كل حقه ولم يتعده تستقيم أحوال المجتمع وتقوى دعائمه وتثبت في نفوس أبنائه روح التضامن الحقيقي وإذا بقيت كل طبقة مقتصرة على أهل طبقتها يحدث بين الطبقات سوء التفاهم ما لا يكون منه حضارة ولا غبطة والعامة هم سواد كل أمة وهم القائمون على الزراعة والصنائع المختلفة والأعمال الصعبة والخاصة أفراد قلائل وقوتهم بأفكارهم وعقولهم في الأعم الأغلب من أحوالهم. والعاقل ينبغي له أن يحسن الانتفاع من كل شيء في هذا الوجود فما الحال بانتفاعه من مخلوق مثله لو علمه بعض الضروريات لكان عمله له ولغيره أتم وأعم.
مضى العهد الذي كان العلم فيه مقصوراُ على أهل طبقة خاصة ككهنة قدماء المصريين وأشراف اليونان والرومانيين ورهبان الأديار والصوامع في القرون الوسطى. مضى ذلك الزمن وما نظن يعود مثله على البشر بعد وقد أخذت حضارة الغرب تنفذ أنوارها حتى إلى القفار ويستنير بها المتمدن والمتوحش بحسب ما رزق من قوة بصر وبصيرة. طوي ذلك