البساط بما عليه جملة ولن يعود إلى سالف حاله بعد أن توفر جمهور كبير من علماء الغرب يخطبون العامة في مجالسهم بما لا يعلو عن أفكارهم ويعلمونهم في مدارس ليلية أقاموها لتعليم من لم يسعده الحظ بالتعليم وبعد أن أنشؤا جرائد خاصة ووضعوا المجلات والكتب ليلقنوهم الأفكار الصحيحة والمعارف اللازمة من أيسر الطرق وأخصرها وبعد أن فتحوا لهم المعارض والمتاحف ودور التمثيل لتكون منهم مقومات العقول على طرف الثمام وبعد كل ما أقاموه لمنفعتهم من أسباب التعليم يستحيل أن يغالط عامتهم في حقائق الأشياء بعد اليوم وقد غولطوا فيها زمناً طويلاً.
قال سيايل: لا غنية للديمقراطية عن خيرة رجال كما لا يسعها إلا أن تقدر الذكاء والعلم والفضيلة حق قدرها. ولا مشاحة في أن الديمقراطية تأتي على الحواجز التي كانت تحول بين الطبقة العالية وجمهور الأمة فتدكها من أساسها وذلك لأن المجتمع يختار كبار الرجال من جمهور أهل البلاد ممن ينشؤون أبداً بين ظهراني عامة الناس ولا يزالون ينمون ويتجددون بما يصدر إليهم من حوض القوة والنشاط وأعني بهذا الحوض العامة. فإذا اعتزل أولئك الرجال واقتصروا على الاجتماع بأبناء طبقتهم محتقرين ما عداها فإنهم يقضون على أنفسهم بالضعف وعلى أمرهم بالفشل. ليس الشعب هو الجمهور بل هو الأمة وهو الحاكم المتحكم. والفكر لا يكون إلا مجردات ونظريات إذا لم يكن له كيان وحقيقة تؤثر في عقول أبناء الأمة وإرادتهم. وعلى الطبقة الخاصة من الناس وهي في الأصل ممتزجة بجهلاء الأمة وأهل الوضاعة منهم أن يكون لها اتصال بالشعب وعليها أن تعمل على إقناعه لتنال ثقته تتصل به وتشركه في معرفة الحقيقة السامية التي تخضع لناموسها الإرادات مختارة وعلى مجموع من يتألف من هم المجتمع الديمقراطي أن يشتركوا في الحياة الوطنية. أهـ.
ولقد وقر في نفوس خاصتنا زمناً طويلاً بأن اجتماعهم بالعامة يعد منقصة وسبة لذلك كانوا وأكثر من يتطاولون إلى التشبه بهم من أهل الطبقة الوسطى في العقول يشمئزون من الاختلاط بغير طبقتهم كأن العلم بزعمهم يفسد إذا ألقي على من ينتفع به أو أنه تذهب بركته ويزول بهاؤه ورواؤه وقد كان هذا الخلق يقوى في الشرق على عهد ضعف الوازعين الديني والسياسي وانحلال التربيتين البيتية والمدرسية.