وذبح هنود الشمال والجنوب والشرق والغرب حتى أصبحت قارة أميركا بحراً من الدم الطاهر البريء. فكأن الرجل الأبيض يفرح لرؤية الدم ويطرب لإزهاق النفوس. ولما كان هؤلاء الوطنيون المساكين يخضعون للذل ويستسلمون للأوربيين كانت تصيبهم أمراض أوربا فيموتون كأنهم فروا من الموت إلى الردى.
رفع المستعمرون أو الطوارئ الأوربيون علماً كتبوا عليه لا رحمة عندنا ومن يقف في طريقنا فليس له إلا الموت الأحمر وأسفي لقد نجحت أوربا في إبادة ذلك الشعب الهندي الكريم فلا ترى منه الآن إلا أفراداً قلائل يراها الناس كما يرون النوادر والغرائب. وقد شمل الخوف وتمكن الجبن من بعض القبائل المنحطة ففرت إلى جنوب أميركا لاجئة إلى حراجها وغاباتها كما يلجأ الوحش الطريد. وإن قلبنا ليخفق عندما يخطر ببالنا أن ما تم في أميركا يتم في إفريقية سيما ونحن نرى ما نرى بين البيض والسود في تلك القارة من البغض والنفور. وما الداعي إليهما إلا أن المستعمر الأبيض عاجز عن فهم طبيعة الوطني الأسود فيعوقه جهله بطبيعته عن منحه نعمة المسيحية والمدنية. وأي دليل أصدق من قولنا أن نصف سكان جنوبي إفريقية فنوا أو نزحوا عن أرضهم. ويليق بأوربا المتمدنة أن يصبغ الخجل وجهها ألف مرة كلما سمعت الأخبار المعيبة والقصص الشائنة التي ينقلها البريد في كل يوم من أوساط إفريقية.
عندما يصل الأوربي إلى تلك البلاد ينسى نفسه ويسقط سقوطاً معيباً. فيحيا الحيوان القذر الساكن في جسمه وتموت عواطف العفة والشرف فيه كلها فلا ينظر إلى الوطنيين إلا نظراً شهوانياً محضاً ولا يعتبرهم إلا وسائل لتنفيذ أغراضه السافلة وإطفاء نار شهوته الحيوانية. إن أمثال تلك الأخبار لا تنقطع عن أوربا أسبوعاً واحداً وكثيراً ما تزيد ذنوب أحد هؤلاء المتمدنين المتوحشين فيسأل عن أمره ويحاكم ولا تحمل الصحف وصف الجرائم التي ارتكبها والذنوب التي اقترفها إلا وترتجف أوربا كلها من ذلك.
على أن لدينا في شمال إفريقية مثالاً واضحاً كل الوضوح يدل على عجز الأوربي عن ابتلاع الوطني أو جلبه إلى حظيرة المدنية الأوربية فإن الفرنسيين على ما هم عليه من الصفات التي تفردوا بها دون غيرهم خابوا في الجزائر كما خاب غيرهم في غيرها. وانقضت ثماني عشرة سنة والفرنسيون يجردون الحملات ويعبئون الجنود ويحشدون