وتخرب السدود وتودي بالدور والقصور وتدك المدن من أسسها، تجري مياه الأمطار على الصخر القاحل كأنها تمشي على سطح دار وتخرب المراعي وتفيض الأنهار حاملة تربة الجبال وحصاها وأحجارها فتطفح بها مجاري المياه وتسد مصابها وبعد أن تفيض المسايل كثيراً تصبح ولا ماء فيها ويختل نظام الاهوية ويكون من ذلك خراب رعاة الجبل وزراع السهل وتجار الثغور والمدن وصناعها، من أجل هذا ساغ لنا أن نقول أنهم كلهم متضامنون في منع جرد الأشجار وتعرية الجبال.
ولقد نشأت في كل عصر مضار كثيرة من جرد الجبال من أشجارها وغاباتها قال أحدهم: كانت صقلية وإفريقية الشمالية والمغرب الأقصى انبار رومية في القديم فأصبحت قاحلة ماحلة بما تواتر عليها من غارات الفندال والمغرب التي انتهت بتحطيم الغابات وكل ما يشاهد من الخرائب العظيمة في تونس والجزائر وبعض أعمال قسنطينة وفي غيرها شاهدة ناطقة بأن هذه الأقاليم القاحلة اليوم كانت زاهرة أمس وفيها المدن العامرة عراها السقوط كما عرا إسبانيا من إبادة أشجارها وكم من خرائب حفر فيها وهي رمال أو أنقاض فشوهدت تحتها مدن كانت عامرة بمياهها المطردة وحدائقها الغبياء وغاباتها الغناء فلم تؤت إلا من قطع غاباتها ونسفت الرياح الرمال على تلك المدن فأصبحت كأن لم تغن بالأمس.
ولقد ثبت أن فقر البلاد ولا سيما الجبلية منها ناشئ من قطعها الأشجار خاصة وكلما توغل المرء في دراسة التاريخ يجد الشواهد الكثيرة على تأثير الغابات في تكثير السكان فقد كان لبلاد اليونان وهي اليوم فقيرة قليلة السكان غابات وأنهار وإن اجداب الحقول الرومانية وخرابها ناشئان من تجرد جبال الابنين من أشجارها، وجبال الابنين تقطع ايطاليا إلى شطرين، وقد ناب اسبانيا انحطاط سريع من هذا الشأن فبعد أن كانت في القرن السادس عشر على عهد شارلكان وفيليب الثاني عامرة غنية محترمة انحط عمرانها في القرن السابع عشر من دون أن يضربها عدو أو تستبيح حماها أمة غازية فلم يمض عليها قرن إلا وقد رأت جميع علامات الانحطاط وقل سكانها على صورة مدهشة فنزل سكان مدريد من أربعمائة ألف إلى مائتي ألف في أوائل القرن الثامن عشر والسبب في نزوح السكان تلك المجاعة التي حدثت من الجفاف الذي دعا إليه تعرية البلاد من غاباتها تعرية أخلت بنظام الري، حتى أن نهر المانزاريس كان في القرن السادس عشر قابلاً لسير السفن في