زيتونها أجود ما وقعت العين عليه في هذه الديار وما ذلك إلا لأن أهلها توافروا عَلَى العناية بأشجارهم وحموها من فؤوس المحتطبين وأسنان المواشي وحوطوها وحرثوا أرضها وتلطفوا في قطف ثمرها حتى جادت غلة زيتونهم كل سنتين والزيتون هنا كما هو في معظم البلدان يحمل سنة ويمحل أخرى وتضمن أعشار زيتون الرامة فقط بألف مائتي ليرة.
مررنا بأرض يجور فرأيناها عامرة أكثر من غيرها من القرى المجاورة وسألنا عن صاحبها فقيل لنا أنه غني من أهل عكا اسمه فؤاد بك سعد فقلنا: سبحان الله أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها. هذا الرجل ينفق نعمة غناه في إصلاح التربة والغراس والفقير في جواره بكسله وقلة وسائطه يكاد لا يجد سناداً من عوز ويعيش عيشة القلة. نحن ممن يقول بحفظ ثروة الأغنياء وإيجاد الأسباب ليزيدوا غنىً وإقداماً عَلَى تنمية ثروتهم لأنهم مادة الاقتصاد في البلاد ولكن عَلَى شرط أن يكونوا مثل ابن يملك بضع قرى في لواء عكا وهو أغنى غني فيه تربو ثروته فيما بلغنا عَلَى مئة وخمسين ألف ليرة جمع هو بعضها والبعض الآخر ورثه عن أبيه وورث عنه مضاءً ومعرفة عملية وأهلية للإثراء عَلَى الأصول جعلت منه رجلاً يفيد ويستفيد من غناه.
نحن لا نعرف هذا الرجل إلا بالاسم ولكننا عرفناه بأعماله في ترقية زراعته وإيجاد المعامل مثل معمل ثلج لعكا وآخر لحيفا ومعصرة زيت عَلَى الطرقة الأوربية في الرامة وأخرى في المغار وغير ذلك من تجارته وزراعته. أعجبنا بعمله لأننا رأينا في دمشق وحلب وبيروت وحمص وحماة ونابلس عشرات مثله بل أغنى منه فلم نرهم مكترثين بالكسب عَلَى الأصول والإنفاق كذلك رأينا غالبهم اغتنوا بالعرض إما بارتفاع قيم الأملاك والعقارات أو بطرق أخرى غير شريفة فحرصوا عَلَى ما بأيديهم ورأوا الخروج عن مألوف عادات الآباء في الاكتساب مما يقربهم من الفقر.
قال لنا ثقة أن ابن سعد هذا ينفق في السنة من فضل ماله عَلَى تعليم بعض أبناء طائفته وإقامة المعابد والمدارس لها في القرى مبلغاً لا يستقل به وقد كانت زراعته ومعاصره خير مرشد لجيرانه ولاسيما المسيحيين فقلدوه وأصبحت المعامل القديمة تخرج الزيت أحسن من ذي قبل وتربح كذلك ونحن لو جرى الأغنياء عَلَى هذه الصورة في تحسين مزارعهم