والإفضال من أموالهم بحسب الطاقة لرقيت البلاد في بضع سنين درجة مهمة في العمران ولكن من أغنيائنا من ابتلوا بالشح الممقوت والجهل المطبق حتى أنهم ليضنون بالقرش في تعليم أولادهم ولا يستكثرون المئات ينفقونها عَلَى شهواتهم وتكبير مظاهرهم بالباطل في عيون العامة والجهلاء.
رأينا من أغنياء دمشق وحلب وبيروت من افسدوا أخلاق الناس بما حملوه إلى هذه البلاد من الموبقات وضروب الملاهي والشرور فسميحيهم منفرنج ومسلمهم منترك عبد القوة وربيب الشهوة يرون المجد كل المجد في التزالف من الحكام لا يوقرون إلا من يخافون ولا يجودون إلا عَلَى ما يشتهون. مسلمهم أبطل الزكاة أهم أركان الإسلام حتى يكاد يحبب إلى النفوس الاشتراكية المفرطة والفوضوية الضارة. ومسيحيهم يرضخ لأبناء طائفته بدراهم معدود حب الشهرة وقطعاً للألسن كأن القوم نسوا أن إنفاق المال في عمران البلاد والأخذ بأيدي الفقراء من أهلها لنشلهم من فاقتهم وإنقاذهم من جهالتهم سيعود عليهم ولو بعد حين بغنىً أكثر ولذة ونفع والعمران سلسلة يرتبط أعلاها بأدناها ويهتز أولها بحركة آخرها عَلَى السواء.
نقول المسيحي والمسلم وما أحرانا أن نقصر الكلام عَلَى المسلم الغني لأنا رأيناه أشد إيغالاً في الارتباك بحياته وحياته والعدم سواء. نعرف رجلين في حلب ودمشق يملكان من المزارع الواسعة عشرات وتحسب ثروتهما بمئات الألوف من الليرات ورثا ذاك الغنى فأساء إلى العمران والإنسانية فترى مزارعهما خربة لا يتوفران عَلَى تعهدها ولو صرفا عليها بضعة ألوف من الليرات لأحييا بها الموات العظيم ونفعا بها خلقاً كثيراً من السكان شغلاهم فيها عن الهجرة إلى أميركا وقد أفدوا الأخلاق بما ألفاه من الشهوات كل ذلك لأنهما لم يربيا التربية المطلوبة فنشآ كالسائمة وقد فتحت عيونهما عَلَى ثروة لم يسعها عقلهما.
إن الأسف عَلَى عقول لا يستفاد من ذكائها كالأسف عَلَى تربة لا يستفاد من زكائها وكم في البلاد من أراضٍ معطلة لا يستطيع أكثر مالكيها تعهدها لكزازة في أيديهم وصغر في عقولهم وضعف في نظرهم. نحن لا نلوم الصهيونيين وغيرهم من المستعمرين في بلاد الجليل وفلسطين بقدر ما نلوم أولئك الذين يملكون الأملاك الواسعة مما لو طبقت الحكومة عليهم قانونها القاضي بنزع الملك من صاحبه إذا لم يزرعه ثلاث سنين متوالية لنزعت