الجند وقسم لمصالح الأرض وقسم آخر لحادثة تحدث ومسحت أرض مصر في أيام هشام بن عبد الملك بن مروان فكان ما يركبه الماءُ العامر والغامر مائة ألف ألف فدان واعتبر أحمد بن المدير ما يصلح للزرع بمصر وقت ولايته فوجده أربعة وعشرين ألف ألف فدان والباقي قد استجر وتلف واعتبر مدة الحرث فوجدها ستين يوماً والحرث الواحد يحرث خمسين فداناً فكانت محتاجة إلى أربعمائة ألف حراث وأربعين ألف حراث والله أعلم.
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاباً إلى عمرو بن العاص وكان عاملاً بمصر يقول: أما بعد يا عمرو إذا أتاك كتابي فابعث لي جوابه تصف لي مصر ونيلها وأوضاعها وما هي عليه حتى كأنني حاضرها فأعاد عليه مكتوباً جواب كتابه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا أمير المؤمنين فإنها تربة غبراء وحشيشة خضراء بين جبلين جبل رمل وجبل كأنه بطن أَقب وظهر أجب مكتنفها وزرقها ما بين أسوان إلى منسا حد البر يخط وسطها نهر مبارك الغدوات ميمون الروحات يجري بالزيادة والنقصان كمجاري الشمس والقمر له وإن تظهر إليه عيون الأرض ومنابعها مسخرة له بذلك ومأمورة له حتى إذا اطلخم عجاجه وتغطغطت أمواجه واغلولوت لججه لم يبق الخلاص إلى القرى بعضها إلى بعض إلا في حقاف العقاب أو صغار المراكب التي كأنها في الحبائل ورق الأبابيل ثم عاد بعد انتهاء أجله نكص عَلَى عقبه كأول ما بدا في دربه وطما في سربه ثم استبان مكنونها ومخزونها ثم انتشرت بعد ذلك أُمة مخفورة وذمة مغفورة لغيرهم ما يعوا به من كدهم وما يناولون بجهدهم شعثوا بطون الأرض وروابيها ورموا فيها من الحب ما يرجون به التمام من الرب حتى إذا أحدق فاستبق وأسبل قنواته سقى الله من فوقه لندى ورواه من تحته بالثرى وربما كان سحاب مكفهر وربما لم يكن وفي زماننا ذلك يا أمير المؤمنين ما يغني ذبابة ويدر حلابة فبينما هي برية غبراء إذ هي لجة زرقاء إذ هي سندسية خضراء إذ هي ديباجة رقشاء إذ هي درة بيضاء إذ هي حلة سوداء فتبارك الله أحسن الخالقين وفيها ما يصلح أحوال أهلها ثلثة أشياء أولها لا تقبل قول رئيسها عَلَى خسيسها والثاني يؤخذ ارتفاعها يصرف في عمارة ترعها وجسورها والثالث لا يستأدى خراج كل صنف إلا منه عند استهلاله والسلام اهـ.