أعمالاً أخرى يظهر أنها منقادة فيها بقوة خفية سماها الأقدمون قدراً أو طبيعة أو يداً صمدانية وسماها أهل هذا الزمان صوت من في القبور.
وأحرج الأزمان في تطور الفكر الإنساني زماننا هذا ولهذا التطور عاملان أصليان: الأول تهدم المعتقدات الدينية والسياسية والاجتماعية التي تتكون منها عناصر المدنية الحاضرة والثاني قيام أحوال جديدة ونشوء أفكار جديدة في الحياة تولدت كلها من الاكتشافات العصرية العلمية والصناعية، ولما كان تهدم الأفكار القديمة لم يتم فلم تزل قوتها وكانت الأفكار التي ستحل محلها في دور تكونها كان الزمن الحاضر زمن تحول وفوضى. . . .
ولكن الذي نراه منذ الساعة أنه سيكون أمام تلك الأمم قوة عظيمة لا بد لها من الاعتداد بها لأنها أكبر قوة وجدت أريد بها قوة الجماعات تلك القوة التي قامت حتى الآن وحدها على أطلال الأفكار البالية التي كان الناس يعتقدونها حقائق وماتت وعاشت بعد أن حطمت الثورات المختلفة كل سلطة كانت تتحكم في الناس وهي القوة التي يظهر لنا أن مصيرها ابتلاع ما عداها في القريب العاجل ألا ترى أن معتقداتنا القديمة أخذت تهتز من وهن أساسها وأن أساطين المجتمعات القديمة تتداعى وتتحطم وأن سلطة الجماعات هي وحدها التي لا يهددها طارئ بل هي تعظم وتنمو عليه فالدور الذي نحن قادمون عليه هو دور الجماعات لا محالة. . .
الجماعات أقدر على العمل منها على التفكير وقد أصبحت بنظامها الحاضر ذات قوة كبرى وعما قريب يكون للمذاهب التي نراها اليوم في دور التكون من السلطان العظيم على الأفكار ما للمذاهب التي رسخت أصولها في الاعتقادات أعني سلطاناً مستبداً لا تأثير فوق تأثيره فلا تعود تحتمل البحث أو الجدل وحينئذ يقوم حق الجماعات المقدس مقام حق الملوك الأقدسين.
ينحصر الأثر الواضح لعمل الجماعات حتى الآن في هدم صروح المدنية فالتاريخ يدلنا على أنه كلما وهنت القوى الأدبية التي يقوم عليها بناء تقدم أمة من الأمم كانت خاتمة الانحلال على يد تلك الجماعات الوحشية اللاشعورية التي سميت بحق متبربرة أما الذين أقاموا صروح المدنية وشيدوا أركان الحضارة فهم نفر امتازوا بسمو المدارك وبعد النظر ولكنا لم نر حتى الآن للجماعات أثراً مثل هذا فهي إنما تقدر على الهدم والتحطيم وزمان