ونصف من الخلق. وكان الصيني أكثر المهاجرين امتصاصاً لمادة البلاد. والصينيون يهاجرون وتبقى قلوبهم معلقة ببلادهم ومساقط رؤوسهم ولا تزال تحدثهم نفوسهم في غربتهم بالعودة إلى ربوعهم حتى أنهم ليضنون بجثث موتاهم عن أن تدفن في أرض الغربة فهم أشبه بطيور تمر بناحية وهي مفترسة شرسة فلا تعتم أن ترجع أدراجها وتروح إلى أوكارها القديمة حاملة في مخالبها فريسة وقنيصة. فقد قدر أن ما بعث به الصينيون المقيمون في الولايات المتحدة منذ سنة ١٨٥٣ إلى سنة ١٨٧٨ بلغ مائة وثمانين مليون دولار كانت معظمها من ولاية كاليفورنيا وبلغ من إعناتهم أهل تلك البلاد أن قامت الفتنة عليهم سنة ١٨٧٩. ومع هذا دامت مهاجرة الصينيين متواصلة. وسنة ١٨٨٨ حظرت الولايات المتحدة دخول الصينيين البلاد إلى مدة عشرين سنة ولم ينفذ هذا القانون حق التنفيذ رغم العناية بتأكيده.
وما برحت الولايات المتحدة نشدد في نزول فقراء المهاجرين بلادها حتى قضت في العهد الأخير أن لا تقبل الفقير المعوز ولا المريض العاجز ما لم يقدم الداخل ضمانة مالية أو يؤكد بأن لديه مبلغاً من المال ويفحص فحصاً طبياً دقيقاً. فمن ثم باتت البلاد في مأمن من حيث الأمور الاقتصادية لا تضاهيها في ذلك مملكة في الأرض. قال باتان أحد أساتذة مدرسة فيلادلفيا الجامعة: تحتاج الأمم القوية أن تدفع عنها عوادي الأمم الضعيفة كما تحتاج الأمم الضعيفة أن تدفع عنها عوادي الأمم القوية. وقد خصت الولايات المتحدة بأن كان لها على أوربا التقدم الطبيعي فملكت سطحاً من الأرض لم تعمل فيه أيدي العاملين ولم تستخرج خزائنه وخيراته. وفي أوربا يثقل كاهل الناس بضرائب باهظة لأن ثروة الأرضين قد احتكرها أفراد معلومون. حتى لقد تضطر الحكومات أن تضرب ضرائب على أجور العمال. وهي ضريبة لا أثر لها في أميركا. ولذا قضت الحال على هذه البلاد أن تحتفظ بمبدأ حماية تجارتها سواء كان في الحاصلات الزراعية أو في النواتج الصناعية وإذا خفضت حكومة الولايات المتحدة الرسوم الجمركية ونزعت ما يحول دون تلك الحواجز من مطامع الأمم تنهال غلات الأمم الزراعية أي انهيال ويحدث لها نفوذ في الأسواق الداخلية وتق أثمان وارداتها بحيث تجاري الغلات الأميركية وتباع أسهل بيع بحيث تصبح أميركا وهي تؤدي دخلها العقاري لتلك الأمم المزارعة فتتضرر الأجور للحال