الفرنسيس لا تنشئ إلا أهل أوهام وأرباب أكثار وثرثرة ممن بعدت نفوسهم عن الحقيقة بعدها عن معرفة العالم الذي يقضي عليهم أن يعيشوا فيه. من كل وُكَلة تكلة لا يعمل بدون يدٍ تدفعه وعون يقوده وعين تلاحظه. ففي بيته تقوده أمه ويأخذ بيده أبوه، وفي المدرسة يشتد ساعده بزند معلمه ومربيه حتى إذا دخل في غمرة الحياة يظل حائراً لا يعرف مصيره ما لم تأخذ الحكومة بيده وتصرفه فيما تشاء وتهوى.
وقال غيره: أين نجد في فرنسا مثل أولئك الأولاد الذين رأيتهم خارج هذه البلاد يسافر احدهم وحده وهو في سن العاشرة من لندن إلى بطرسبرج في فئة من أطفال الكتاتيب تختلف سنهم بين الثامنة والعاشرة فيقضون تحت الخيام نصف العطلة المدرسية في جزيرة من سان لوران يعيشون من صيدهم وقنصهم فيكف لا يتأتى لهؤلاء الأطفال من الإنكليزي أن يستعمروا حيث شاؤوا من الأرض ويكونوا من أنفع الطوارئ متى بلغوا الخامسة والعشرين. وقال احدهم: لا شيء أذل على النفس من رؤية الفرنسوي خارج بلاده فكأنه ميت انقطع عمله أو مدنف يتلجلج لسانه فلا يجيب عما يسأل.
وقال غيره: من الرعونة أن يعتقد الفرنسيس بعلو كعبهم في كل شيء ولو ذهب إلى ألمانيا ودرس أحوالها عن أمم لرأى شعباً كان يشكو مما نشكو منه. داء أصيب به زمناً فشفى نفسه منه. يرى السكسونية مجسمة بأبهى مظاهرها فيقدس كارالايل ظهيرها ونصيرها ويقيس حاله بالإنكليز فيراهم سباق غايات. ثم إذا رأى في تينك المملكتين ما رأى وقاسه بحاله يركب بحر الظلمات ليتبصر فيما تورثه جدد الفضائل في هذا القرن الحديث وينجلي له الفرق بين رغائبه ورغائب الأمريكان.
لفرنسا نظارة للمعارف، ولأمريكا مدرسة للتربية. فالأولى تعلم والثانية تربي. الأولى تلقن أبناءها كلمات يحفظونها، والثانية تعلم مبادئ يسيرون عليها. تعد فرنسا أدمغة لحفظ قانون، وتهيئ أمريكا أذرهاً للعمل. يغرس الأمريكان في عقول ناشئتهم شهامة الإرادة التي لا تنفع بدونها المواهب وتضيع القوى بدداً وإذا فقدت يكون العلم نفسه قليل النفع. وهذا القانون الذي سنه لهم فيلسوفهم أميرسون تلميذ هيكل الألماني القائل في فلسفته: ليست الحياة شغلاً عقلياً ولا مناقشة ومهاوشة بل الحياة هي العمل. ولقد علق في أعلى باب كل مدرسة بأمريكا شعار معناه: إن تهذيب الخلق أسمى غاية للمدرسة وعلى الشبان أن يحسنوا معرفة