له فتحتان كصنان ... التيوس أعيا على المسك والغالية)
(الذفر) بفتحتين كل رائحة شديدة سواء كانت طيبة أوخبيثة: يقال مسك أذفر ورجل ذفر بكسر ألفاء له صنان وخبث ريح. والصنان بضم الصاد الرائحة الكريهة تنبعث من تحت الإبط واستعملتها الشاعرة هنا في رائحة التيوس بطريق النجوز.
و (الغالية) ضرب من الطيب مركب من جملة أجزاء، تقول أن لزوجها ريحاً خبيثاً أعياها الأمر في إزالتها وتخفيف شرها وقد استعانت على ذلك وعالجته بأنواع الطيوب فلم تفلح.
وإن دمشق وفتيانها ... أحب إلي من الجالية)
الجلاء بفتح الجيم الخروج من بلد إلى آخر. ويقال جلا القوم عن الموضع الفلاني إذا تفرقوا عنه. والقوم الذين يخرجون هذا الخروج يسمون جالية ويسمى أهل الذمة جالية لأن عمر بن الخطاب أجلاهم عن جزيرة العرب. ومراد الشاعرة بالجالية هنا أولئك الذين كانوا يجلون عن ديارهم في الحجاز ويسكنون دمشق لذاك العهد ويظهر أن لدمشق في نفوس القوم إذ ذاك مكانة عالية فكانوا يتنافسون بالعيش فيها ويضربون المثل بحسن عشرة أهلها. ولم يزل هذا أدبها إلى اليوم فهم إذا أرادوا أن يصفوا إنساناً بالذوق وطيب العشرة وكرم الطباع قالوا أنه (مدمشق) على وزن اسم المفعول أي أنه كأهل دمشق ذوقاً وأدباً كما يقولون في مصر فلان (ابن بلد) يعنون به ما نعنيه نحن بكلمة (مدمشق) ويستعمل الأوروبيين في هذا المعنى كلمة (جنتلمان) الإنكليزية. وقد ذكر سليم أفندي سركيس في بعض أعداد مجلته: أن جريدة التيمس رأت أن تضع لكلمة (جنتلمان) الإفرنجية لفظة عربية أومعربة فقالت في وصف أحد سلاطين آل عثمان القدماء أنه كان يسمى (محمود الشلبي) وفسرتها لقرائها بقولها أن معنى الشلبي هو (الجنتلمان) ثم قال سليم أفندي: وما دمنا لليوم لم نقع على كلمة ترادف (الجنتلمان) في لغتنا العربية فلنرض بم رضيته لنا التيمس أي من استعمال كلمة (الشلبي) بمقام (الجنتلمان) وكلمة شلبي بالشين العربية محرفة عن (جلبي) بالجيم ألفارسية ذات النقط الثلاث وهي كلمة تركية معناها الشريف واللطيف والظريف. وقد غاب عن سليم أفندي أن يذكر في معاني (الجنتلمان) كلمة (مدمشق) كما غاب عنه أن يذكر أيضاً كلمة (عايق) التي يستعملونها في ذلك المعنى نفسه. ولا أذكر ما هو أصل اشتقاق (عايق) وكيف استعملت في هذا المعنى في لغتنا العربية.