أضرتها بانحلال عقدة الوطنية فمدارس الأميركان والروس واليونان والفرنسيس والإنكليز والألمان قد أصلحت وأفسدت. أصلحت بتلقين من تخرجوا فيها شيئاً من معارف الغرب وأضعفت في نفوسهم حب الوطن بتحبيبها إليهم أوطاناً غير أوطانهم وتعريفهم إلى رجال غير رجالهم ومساواتها فيس أعينهم الأمم. والعاقل منة حرص على نفع أمته قبل كل نفع وانتفع بما عنده قبل أن يتطال إلى ما عند غيره.
رأينا أفاضل الطبقة التي نشأت في مدراس الفرنسيس والأميركان والروس في أدوار مختلفة فلم نشهد فيهم إلا النادر من يغار على وطنه كما يغار على حرمه فكنا إذا حدثناهم بما تصير إليهم حالة لغتهم ووطنيتهم بتخليهم عنها قالوا وأي نفع يرتجى لمن يتعلم اللغة العربية وهل هي إلا لغة قومٍ بادوا وانقضت أيام سعدهم ومن يضمن لنا أن نعيش إذا تعلمنا اللغة العربية ولذلك كانت أقل لغة من لغات العالم المتمدن أكثر فائدة. أما حالتهم في انحلال عقدة الوطنية فأدهى وأمرُّ. ومن زهد في لغة آبائه وجدوده كان حرياً بالزهد في وطنه ووطنيته. واللغة والوطن يصح أن يكونان اسمين لمسمى واحد.
شهدنا ناساً قيل عنهم أنهم حملة للشهادات العالية من مدارس الأجانب فكنا نسألهم بعض الأسئلة البسيطة في تاريخ أمتهم وبلادهم فما كانت أجوبتهم إلا استهزاء بما يترتب على معرفتهم ذلك من الفوائد وكان أيسر ما يحجنا به أحدهم أنه يعرف تاريخ روسيا وأميركا وإنكلترا أو فرنسا جيدة ويوردون لنا أيام تلك الأمم وأسماء رجال الحرب والسياسة والعلم فيهم ويعجزون عن ذكر شيء من تاريخ بلادهم إلا القليل الذي تلقفوه بالسماع من العامة. هذا في ناشئة المدارس الأجنبية الذين هان عليهم أن يغادروا بلادهم وأكثرهم نزحوا إلى مصر وأميركا وغيرهم اختاروها موطناً لهم وربما حدثتهم أنفسهم أن يتجنسوا بالجنسية الأجنبية لأنه لا ترجى عودة لهم إلى بلادهم وقد ملئت نفوسهم بحب من تخرجوا بهم.
وهناك طبقة ومعظمها من المسلمين تخرجت من مدارس الحكومة فخرجت أقرب إلى المجمعة منها إلى العربية لأن المدارس الأميرية ما برحت إلى اليوم وقبل اليوم تعلم اللغة العربية تعليماً صورياً وتوفر عنايتها بالتركية لغة البلاد الرسمية وإنا لنخجل أن نقول أن سورية قد نشأ منها زهاء خمسمائة ضابط ونحوهم أو أكثر من الموظفين لا يعرفوا من اللغة العربية إلا أن يتكلموا الكلام العادي البسيط وأكثرهم يمزجونه بألفاظ تركية لا يفهمها